jeudi, juin 01, 2006

حينما كانت القضايا قيد التفعيل ..عبد الرحمن عبد الوهاب


دخل ارنست هينمغواي يوما في حوار .. إزاء قضية ما .. فقال له عفوا .. هذه قضية للتفعيل وليست للتحليل

بالرغم أننا قطعنا شوطا لا بأس به مع الفكر الغربي .. إلا أن الحقيقة لا بد أن تقال .. بالرغم من احترامنا لسقراط وهو الذي يعتبر رائدا في الميراث الفكري للغرب ..فهو أول رجل يموت بسبب أفكاره .. حسب التصور الغربي .. فهو قد سفه آلهة الإغريق حتى اللحظة الأخيرة من حياته .. وواجه الموت بناء على ما آمن به من أفكار ..

إلا أن هناك بونا شاسعا ما بين الفكر الذي كائن على غير أسس من الهدى فكانت بنائيته على الفكر المحض .. فسقراط هو القائل

thought is the actuality of life أي ان الفكر حقيقة الحياة .. ولم يختلف الامر شرقا .. فلقد قال ميهالي كيزنتميهايلي.. الابداع هو المعنى الحقيقي لحياتنا .. وعندما ننهمك فيه نستشعر إننا احياء تماما أكثر من أي وقت اخر ... Creativity is a central source of meaning in our lives... [and] when we are involved in it, we feel that we are living more fully than during the rest of life. --Mihaly Csikszentmihalyi

إلا انه ثمة اختلاف بين العبثية الذهنية فالإبداع الغير مبني على اسس وتصورات مستقاة من مباديء السماء والحق المنزل تصبح فقط مجرد نوع من الضلالات والوهم القابل للأخذ والرد .. ولهذا نزلت سورة الشعراء لتعالج امور الابداع .. وحذرت من تلك المنهجية السائدة دوما .. {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} (226) {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} (225) سورة الشعراء .. ولقد ذكرت الشياطين في السياق {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} (221) فالآليات الفكرية للفكر الإسلامي .. لها تصور خاص حيث استثنت الايات الكريمة من رجال الفكر . أولئك {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} 227 سورة الشعراء

انه الايمان وعمل الصالحات .. وذكر الله كثيرا وعن انتصروا من بعد ما ظلموا ..يقول سيد قطب فكان لهم أي رجال الفكر كفاحا ينفثون فيه طاقتهم ليصلوا الى نصرة الحق الذي اعتنقوه .. الاسلام ليس ضد الإبداع . ولكن ضد ان يوظف الإبداع .. ليسقط بالبشرية من الذروة الى القاع والحضيض..وكانت الحقيقة التي لا مراء فيها اختلاف الابداع ,, ونتاج عقول البشر .. عن الكمال المطلق والمجد المطلق .. لكلام الله .. فالإبداع البشري لا يعدو ذاته البشرية ..اما كلام السماء.. تسجد ازاءه العقول والأذهان ..فاذا قالت .. غيلدا راندر .. ان الابداع هو تميزنا .. our creativity or our glorious uniqueness. --Gilda Radner الا اننا ..نختلف فتميزنا هو اعتناق الحق المنزل ,, القرآن الكريم .. وهذا مثار الفخر والاعتزاز الحقيقي ..كان قول الله تعالى .. {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا } (200) سورة البقرةفلقد قال الفرذدق لجرير يوما انك لاق في المناسك من منى فخارا .. فخيرني بما انت فاخر .. انها منى .. حينما كانت العادة عندما ينتهي الناس من مناسك الحج .. تذكر كل قبيلة مجدها وفخارها ..كما كانت العادات في الجاهلية .. فجاء الإسلام ليرد المجد الى صاحب المجد المطلق .. الله تعالى ..فكان رد جرير ,, لبيك اللهم لبيك .. انه افتخر بمجده الحقيقي .. وانتمائية مجده . إلى الله .. مجال للمقارنة والمفاضلة .. بين المنهجين

انه القصور البشري لدى البشرية تجاه ذلك الحق المحض فيما يوحى من السماء إلى الأنبياء الكرام . وهو ما يختلف في التركيبة المنهجية لدينا .. ولا وجه للقياس والندية بداية بين سقراط وإبراهيم عليه السلام مثلا..كإمام ورائد في التصور الاسلامي

فابراهيم كان أول من واجه آليات الاستبداد الفكري والاجتماعي والسلطوي السائد .. كونه قام بتفعيل الذهن على نحو سليم .. ورصد القرآن موقف التفعيل الذهني لابراهيم عليه السلام .. في الوصول الى الحق المحض . {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} (76) {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} (77) {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} (78) سورة الأنعام كما لنا ان نراقب التصوير
الرائع ..في قول إبراهيم ..[قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ] أي انه رد الهداية إلى مردها السليم .. إلى ربه ..
. وكان بعدها انه قام ببداية التفعيل .. على ارض الواقع .. وحمل قضية الإيمان وفرضها على ارض الواقع .. من تهشيم الأصنام .. وكان ايضا يستحث الذهنية السائدة على التفعيل وتشغيل الذهن.. نحو الإيمان بالله .. {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ} (63) سورة الأنبياء..
إضافة إلى ان إبراهيم عليه السلام .. واجه الامتحانات بكل بطولة في ميدان الإيمان .. سواء أكان الأمر إلقاء به في النار ..
أو الإقدام على ذبح الابن بلا تردد بل ويرجم الشيطان لثلاث مرات بغية إنفاذ الامر .. ما هذه الروعة وهذا المجد في مضمار الاعتقاد وحب الله .. او ترك الزوجة والولد في واد غير ذي زرع من جهة اخرى .. لقد كان بطلا في مضمار العقيده والايمان .. واتم الامتحانات بنجاح .. فكان إماما ..
وموقف الاختلاف في المنهجية بين الإسلام والغرب .. في هذا البون الشاسع ..بين القلب السليم والفكر السليم وحالات الهوس والعته ..الذي انتهى بهم الى الاجرام والجنس الجماعي وعبادة الشيطان .. الذي يصدر الينا .. ان بضاعة الغرب لا تصلح لنا .. فعوارها واضح على الملأ .. وكان تقرير بهذا البارحة .. على قناة العربية .فيما يخص عبدة الشيطان في قرية لبنانية .. وانتهى التقرير .. بصورة لمئذنة .. تقف بشموخ .. تعنى رمزيا من قبل صاحب التقرير .. ان شموخ المئذنه هو المستهدف

كان الفرق بين نتاج العقل البشري وبين ما نزل من السماء ومنهجية أتباع كلا الفريقين في الحياة والذي كان النقيض بين مشروعين .. مشروع ابتنى على رؤى الشيطان .. ومعالجاته .. وبين هدي السماء وقيمته السامقة ..التي تنهض بالإنسان الى مراقي الحرية والعدل والفضيلة والاخلاق .. [ انما بعث لأتمم مكارم الاخلاق ] ..وكلٌ له مشروعه الحضاري وعلى هذا كانت زوايا الارتكاز ومثار الصراع الفكري ..مابين الحق المحض والباطل المحض كتراث فكري فلسفي.. وكتب منزلة عبثت بها ايدي البشر .. من جهة
وبين ما نزل من السماء في صحف إبراهيم وموسى ,, والقرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ..من جهة اخرى. من هنا كانت اختلافية الوضع القائم بين المشروعين.فمشروع الرسالات يحكمه اهم قضية في الكون .. العدل في الارض..
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (25) سورة الحديد وكان الموقف الخاص بهذه الأمة .. على وجه الخصوص تفعيل هذا الدور في حياة البشرية ..
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (8) سورة المائدة

. فالمعادلة الفكرية للغرب ناقصة .. لأهم طرف .. ألا وهي تلك القيمة الكبرى للحق المنزل من [أعلى] أي السماء .. وظل ناقصا لديه أي الغرب. سواء في انعكاساته على الروح أو البنية العقلية. وهو بالتالي أي الفكر الغربي الذي لا يستند الى مستند سماوي هو بالتأكيد ضرب من العبثية والضلال .... قال الله فيه .. { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }القصص50 انتهت محصلاته الى عبادة الشيطان والتحلل الأخلاقي والتدعر .. ناهيك ,, عن البعد الاساسي في مشروعه الحياتي والسياسي ..المبني على الظلم والاجرام والسطو المسلح على الشعوب الأخرى ,, استنادا على الموروث الفكري للقرصنة .. لتلك السفينة التي كانت تمخر العباب .. وعليها راية تحمل جمجمة ..وعظمتين متقاطعتين ..وذلك الاعور الذي يضع احدى النظارات على عينه المفقوءة .. وهو به شيئا من الحقيقة الغربية التي ابتدأت من كريستوفر كولمبوس ..وفاسكو داجاما ليعيثوا في الارض قتلا واجراما .. باسم الصليب .. وهو لا يختلف. عن التصور الماثل في معالجة القراصنة القابعين في البيت الأبيض ..
وبناء على ما تقدم لم تنفع آليات التفعيل والتحليل لدى هيمنغواي .. بحيث انتهت حياته بالانتحار .. رغم حصوله على جائزة نوبل في الأدب

لقد كان الميراث الفكري للغرب يفتقد إلى مضامين الحقيقة القاطعة في الوجود الكوني ألا وهي أن الله حق .. حيث قد وقف عاجزا تجاه الغيب واعتبرها ميتافيزيقيا او ما ورائيات .. يلعب فيها خيال وهلوسة الفلاسفة وتعدد الآلهة في التراث الإغريقي والروماني دوره .. انتهاء الى ان النصرانية اعتبرته ميراثا ومخزونا مغزيا لها .. حتى بلاد المشرق اعتبروا ان الفرعونية ميراثا لنصرانية المشرق مثلا .. ولعبت العبثية الذهنية مجالا لا بأس به على غير هدى من الله أو الأسانيد المنزلة من فوق..كان هذا على المستوى المشرقي والغربي ومازالت لم تبت في اشكاليتها التي لم تنته ومعضلتها التي لم تحل أن الله ثالث ثلاثة .. في حين لقد كان الموقف لدينا مختلف حيث انه كان لدى التصور الإسلامي الإجابات الحتمية والقطعية تجاه موضوع الغيب ..من خلال القران الكريم وسنة الرسول الاكرم الذي من خلال الاسراء والمعراج كان هناك توضيحا لما رآه المصطفى الكريم في العالم العلوي من السماء

فيما يخص الغرب وجراء ضلال الذهن واعتمادا على العقل وثلاثية الله .. عندهم .. كان لابد ان يكون هناك صراع ومقدماته موضوعية لمحصلات في النهاية ..الانتحار والمصحات العقلية .. ان النظريات التي لا تستند الى حق قابلة للإجهاض.حتما ..قام الصراع ما بين الكنيسة والعلم .. وخلع الغرب عنقه من ربفة الكنيسة وأي التزام أخلاقي تجاه السماء ذلك لأن أصول المعتقد غير واضحة حتى أوليات الاعتقاد ومفهوم تثليث الإله .. بعد ان عبثت أيدي البشر بكتبهم المنزلة . {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } (79) سورة البقرة..
. أن يتنصل من زيف الكنيسة .. وضعوها جانبا اللهم إلا..في إعطاء صكوك الغفران .. اما فيما يخص الحياة العملية ومعترك الحياة و معادلاته الحياتية دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله ... والتي كانت تختلف عن التصور الإسلامي ان قيصر لابد ان يذعن ويخضع ويستسلم لله ..لابد ان ترفع على الكابيتول الخاص به راية الله اكبر.. ان الأرض لله والسماء لله .. {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} (66) سورة ص.. كما أن الصلاة والنسك والمحيا والممات لله .. {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام162.. بل إن الأمر كله لله ,( قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ )آل عمران الآية 154 وأن الآخرة والأولى لله .. {فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى }النجم25..وتبقى مشكلة الغرب كما قال تعالى إنها لا تعدو ظاهرا من الحياة الدنيا .. {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }الروم ذلك انه افتقد إلى الإيمان بالغيب .. وكفره بما نزل من السماء ..
(القرآن الكريم )انه لحدث عظيم .. ونبأ عظيم .. كان لابد ان تقف البشرية ازاءه موقف التهيب .. والانكسار والاذعان .. ألا وهو قول السماء .. وكلام السماء .. وقوانين السماء .. وشريعة السماء .. ليس هناك خيار ازاء الحق المنزل سوى القبول والتسليم والاذعان بل والسجود{فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (20) {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ*} (21) سورة الإنشقاق .. واخذ ما نزل بقوة .. ولا ثمة خيار{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (36) سورة الأحزاب ..
{ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (63) سورة البقرة
لا مناص .. فبالإسلام انحسمت كل قضايا التحليل .. والعبثية الفكرية .. والتحليلات العقلية .. وهلوسة الفكر.. وليتجه
الابداع الاسلامي على اسس من الفضيلة والحق والحرية والايمان والكفاح.. اعتمادا على المرتكز في استقاء اليات الفكر .. ألا وهو .. ذلك القول العظيم الذي نزل على جبل النور بمكة ..(ألقرآن الكريم )
أجل انه لأمر جلل .. وحدث عظيم .. وكلام الله تعالى ينزل به جبريل الأمين على قلب محمد .. آن الأوان أن ينحسم الأمر بشكل قاطع .. وتزحف البشرية تلك الناكسة الرأس لكل أصنام الحجر والبشر نحو النور والحرية ليرفع محمد بن عبدالله هامتها من الانكسار لغير الله جاءت البشرية.. لتسمع كلام ليس مثله كلام .. {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (21) سورة الحشر.. وكان الرائع لدينا ان انتهت الأمور والبحث ..بحلقات الذهن المسلم من قضايا التحليل .. الى قضايا التفعيل .فلا مجال ..كيف والرسول ,, يقول لقد مضى وقت النوم يا خديجة... واستأثرالصحابة الكرام بالحق المبين الذي جاءهم .. ولم يكن ليفرطوا فيه .. فهم قد أدركوا .. إن هؤلاء .. من أمم الكفر قاطبة .. والتي لم تزعن لله والتي لم تقبل .. أن اشرف ما فيهم كلب .. وقالها هارون الرشيد من أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم .. ان القيمة الكبرى للإنسان هي الإيمان.. انتهينا من محطات العبثية والتحليل .. إلى المقامات .. الضخمة في الكون .. لنخرج العباد من عبادة العباد .. إلى عبادة الله ,, ومن جور الأديان إلى عدل القرآن ومن ضيق الدنيا الى سعة الدنيا والآخرة .. لقد كان الرعيل الأول .. ليس لديهم مجال ذهني ان يضيعوه .. في كلام فارغ او اوهام... بعدما ادركوا يقينا انه دين الحق {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (33) سورة التوبة.. إنها ضخامة المسئولية .. أمام الله و تجاه البشرية .. ومشروع خضاري .. ونموذج امثل يقدم للإنسانية

فيما كان الغرب يومها عاكفا على صنمية الفكر idols of thinking والتي ما زال يبحث عن مخرج .حتى اللحظة كما قال هربت شولسبرغ وغيره .في فض النزاع مع أصنام الكنيسة . إلا أن هذه المسائل نحن قد تجاوزناها منذ ألف 1400 سنة .. منذ أن اعتنقنا مبدأ لا اله الا الله .. وما كان لصنمية أيا كانت لها علينا سطوة .. انه تجرد الفكر والروح والعقل لقبول الحق المنزل .. من هنا .. تجاوزنا الفكر الغربي وأراؤه وتصوراته .. التي كان وما زال أسيرا لها الى اليوم .. ولم يستطع الفكاك منها . في وقت تلقفنا فيه هذا الحق المنزل .. والنور المبين.. ننطلق على يابسة الكون .. نرسي مبادي الحق والخير والعدل والنور .. انه الإسلام . أهم حقيقة في الوجود الكوني . إنها حقائق على أسس من النور والوضوح و الإيمان .. نعم انه الإسلام ..

إلا أن القضية تبدو اليوم أكثر طرافة فالبشرية اليوم .. تنحو منحى الجاهلية الأولى ولكنها اضلها الله على علم .. فالغريب ,, اثر حوار بين وفاء سلطان من نيو جيرسي والأستاذ إبراهيم الخولي .. في الاتجاه المعاكس .. فقالت .. بكل صفاقة أنا علمانية لا أؤمن بالغيبيات ..
فلقد كان التصور الإسلامي واضح الدلالة .. في أول سورة من القرآن الكريم .. من سورة البقرة .. {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (3) سورة البقرة...يختلف عن منحى الغرب في الإيمان بالعقل .. وترك الحق المنزل .. الذي هو من روح الله .. الذي كان دوره ان يفّعل الروح .. نحو القيم الفاضلة .. والارتقاء بالروح والذهنية الإسلامية .. الى مراقي الايمان ومرافيء المجد.. والسمو عن حمأة الأرض والطين .. ومن ذلك ما أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد والحميدي والطيالسي وابن حبان وغيرهم عن حنظلة التميمي الأسيدي ، أن النبي صلى الله عليه وآله قال : يا حنظلة ، لو كنتم تكونون كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم أو في طرقكم (1). وفي رواية أخرى ، قال : لو كنتم تكونون إذا فارقتموني كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة بأكُفِّها ، ولزارتكم في بيوتكم(2). إلا أننا لابد .. ان نراجع التاريخ .. وما ملأه الصحابة الكرام مجدا وعزا وشموخا ..
ما هو السر الكامن خلف الأشياء .. في أن تكون تلك الحفنة من الأعراب التي تربت على أيدي المصطفى صلى الله عليه وسلم كانت القوة الصاعقة على ظهر الأرض .. كل الأرض وبلا استثناء .. سادوا الأرض وقادو البشرية نحو العز والرفعة .. وحضارة تشرئب لها الأعناق..
القضية كانت تختلف . في تفعيل الإيمان .. في العقلية الإسلامية .. والروح الإسلامية بالأمس . فلقد كان قضية تفعيل البعد العقدي هاما .. اذ قام المصطفى بتفعيل العقيدة و التوحيد .. في الذهنية للرعيل الأول .. على نحو رائع .. وكانت القابلية على استعداد للتلقي .. والتفعيل العملي .. فكان يأخذ الفرد من القرآن الكريم ليس للثقافة ولكن ليطبق .. وكلما ازداد حفظا ازدادت تبعات التفعيل ..
وكان أهم شيء ليس الكم .. ولكن النوعية التي حملت هذا الدين وشمخت بعزة الإيمان لما درج عليه الحس الفطري وما زال قائما بعد ذلك حتى اليوم حينما يأنف احد العوام من الضيم والذل .. ينتفض قائلا بعفويه الرأس لا ينحني الا لمولاه .. كان التفعيل قائما فيما يخص بروح التشرب من النبع .. الإلهي الكريم ألا وهو .. القرآن الكريم .. انه ذكر لك ولقومك .. أي شرف لك ولقومك ..
وكان أيضا ذكرا للعالمين .. {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} (87) سورة ص ومن ذلك كان المصطفى حريصا على ان يكون جنوده متشربين بنور القران وإشعاعاته على النفس والروح وتفعيل الإيمان ومنه هذا الحديث الشريف عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: حين أتاه عمر فقال: إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال: أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا إتباعي. رواه أحمد والبيهقي في كتاب شعب الإيمان، وهو حديث حسن.وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب حين رأى مع عمر صحيفة فيها شيء من التوراة وقال أفي شك أنت يا ابن الخطاب ألم آت بها بيضاء نقية، لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا إتباعي..
فكانت عملية التلقي العقلي والروحي تؤخذ من القرآن .. يضفى النور على الذهن والعقل والروح . نورانية وإضاءات. الم يقل تعالى انه روح .. {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (52) سورة الشورى.. الم يقل جل علاه انه نور .. {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (8) سورة التغابن.. ألم يقل جل علاه .. أنه الحق .. {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} (105) سورة الإسراء ...ألم يقل جل علاه انه مجيد .. {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} (1) سورة ق

فماذا بعد الحق إلا الضلال .. وماذا بعد النور الا الظلام وماذا بعد المجد الا العار .. لا مناص ان يؤخذ هذا الامر بقوة .. وهذا ما كان ..
أخذت قضايا الإيمان البعد التفعيلي .. في القلب والوجدان .. يقتلعون الرواسي ويبنون المجد مؤتلقا مكينا ,, هذا هو الأساس ..
كما قال خالد ابن الوليد .. لقائد الروم .. لو كنتم في السحاب لحملنا الله اليكم او لأنزلكم الله إلينا .. إنها العقيدة .. التي تصنع المستحيل .. وإذا كان الله تعالى نصيرا لك فلن يقدر عليك أحد .. {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (160) سورة آل عمران
كان التفعيل .. قائم .. في مضمار .. الالتزام .. والإذعان .. للأوامر الإلهية المنزلة .. فلقد آثروا الله عن كل حميم .. وكان هو تعالى لهم هو الحبيب وقرة العين.. قدموا صفقة الإيمان عن كل متاع الدنيا ورغباتها .. ولنا أن نراقب مواقف التفعيل التي تمت على الساحة ..
فعندما نزلت الاية الكريمة . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (90) سورة المائدة.. قالوا انتهينا.. وافرغ المسلمون أوعية الخمر في شوارع المدينة ولم يعودوا لشربها مرة أخرى ,,
وعلى مستوى التفعيل النسوي في قضاياهن .. لم يختلفوا عن الرجال في مضمار التفعيل .. والأخذ بقوة ..
قالت عائشة رضي الله عنها : ( رحم الله تعالى نساء الأنصار .. لما نزلت الايه {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (59) سورة الأحزاب ..شققن مروطهن فاعتجرن بها فصلين خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم كأنما على رؤوسهن الغربان )
القضايا أخذت مقامات التفعيل .. على كافة الأطر والمستويات .. ولما نزل الأمر بالجهاد ..
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (39) سورة الحـج.. كان لهم السبق ولم يشق لهم غبار في مضمار القتال .. والكفاح .. وكانت هذه النقطة تحتاج الى وقفة .. لم تكن الحروب بالامس مكشوفة الاحداثيات عبر الاقمار الصناعية .. قد يكون الرصد للاعداء غير واضح تماما .. من ناحية العدة والسلاح .. فانطلقوا .. بتفعيل الاخلاص .قد يكونوا عدد قليل عدة وعتادا في مواجهة الكفر ... .. وحينما رأي الله منهم هذا الاخلاص .. اعطاهم وتكرم عليهم بمجد الدنيا والاخرة .. .. وانتهي الأمر إلى أن أصبحت الدنيا تحت أقدام العرب في زمن قياسي من عمر الامم .. ما كان لهم ان يستبدلوا الضياع بالمجد ..
دين الله منتصر لا محاله {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (51) سورة غافر.. ما كان له رجاله يحملون القضية ..فالحق اذا وجد أنصارا ينتصر وإذا فقد رجاله ينهزم ولكن لابد أن يجري تفعيل العقيدة في الروح مجرى العصب والدم .. ولماذا كان أفضل الذكر لا اله الا الله؟ .. وتقال في الأذكار 100 مرة صباحا.. حتى لا ينتاب الذهن أدنى هاجس من الشرك .. والعبادة معناها التذلل والخضوع أي لا خضوع ولا تذلل إلا لله .. ولهذا كان السلف حريصون على هذا البعد بعد التحرر من شركيات البشر والحجر .. فكانت الرؤية نقية .. والإيمان نقي .. فلقد قيل ان قبلة اليد هي السجدة الصغرى .كما كانوا لا يبيعون دينهم على موائد الحكام .. قيل أن ..على أبواب السلاطين فتن كمبارك الإبل .. وقالوا يدخل الرجل بدينه على السلطان ويخرج ليس معه شيء .. وكان الحرص على الدين وسلامة الدين مقدم على سلامة النفس والذات ..
فحينما اخبر المصطفى عليا .. أن أشقاها سيخضب لحيته جراء طعن في رأسه .. قال الإمام علي .. افي سلامة من ديني .. ؟ قال المصطفى نعم .. قال الإمام علي أنه مقام الشكر ..
ان دين الله منتصر .. ولكن اين الرجال .. كما قال ابن ادهم .. يا له من دين لوكان له رجال .. ؟
دين الله منتصر .. ولا يغرنك .. تقلب أمريكا في البلاد .. {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ} (196) {مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} (197) سورة آل عمران
وكان الطرف الثاني في المعادلة .. في الآيات التي تلتها مباشرة .. {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ} (198) سورة آل عمران
.. الوضع الراهن للأمة .. انطلقوا من مقامات التفعيل .. الى مقامات .. التعطيل .. أي انهم عطلوا .. آليات الإسلام في الحكم .. والحياة..
كأن يهيمن .. على يابستهم ,ويابسة العالم., وأن يكون مثار التفعيل في حياة الناس الأهم وما يبذل له غاية الجهد .. .. فكانت الطامة الكبرى والداهية العظمى.. عدم تطبيق شرع الله .. ونحوه جانبا .. و ارتضوا بقوانين الكفر بديلا.. وعدم الاحتكام إلى الشريعة . معضلة من كبرى المعضلات .. التي يجب ان تحل ..
فإن أسس واليات التشريع الكريم .. منزهة عن كل آليات الظلم السائد ..{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (50) سورة المائدة
كيف وأن الله تعالى أحكم الحاكمين . {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} (8) سورة التين..
عطلوا الحدود .. وحاولوا الطعن في الشريعة وإقامة الحدود .. ولم يعرفوا ان الرحمة بالمجرم خيانة بالضحية .. وأن الله تعالى تنزه عن ذلك وتعالى علوا كبيرا .. من هنا كان قوله تعالى .. {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (179) سورة البقرة..
لقد هجس فلاسفة الأرض بالبحث عن المدينة الفاضلة .. وركضنا خلفهم في شرخ الشباب .. بحثنا عن المدينة الفاضلة .. جمهورية أفلاطون .. والفردوس المفقود لجون مِلتون .. واقتنينا ..كتب اليوتوبيا توماس مور .. وركضنا خلف النبي لجبران .. القضية التي كانت هي المثالية الرائعة الذي طمح إليها الذهن البشري دوما .. فكانت هي هاجسه ومبتغى حياته .. وهي باختصار العيش الكريم .. ولم نعرف ان اليوتيبيا تحققت بالفعل .. على المدينة المنورة ,, انها مدينة محمد الفاضلة ..
وكانت آليات ومنطلقات العيش الكريم هي العدل في الأرض .. وهذا لن يتحقق إلا من خلال شرع الله الكريم .. {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (44) سورة يونس.. لقد قضت حكمة الله العليا .. تحريمه الظلم على نفسه وجعله محرما بين العباد وكان جل ذكره وسما مقامه..عادلا العدل المطلق وبغضه للظالمين قائم { وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (57) سورة آل عمران. { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا} (29) سورة الكهف..
وكان مضمار الرسالات .. هو الوقوف في وجه الظلم والطغيان.. {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (10) سورة الشعراء.. {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} (24) سورة طـه
وكان مفهوم الظلم لغويا وضع الشيء في غير موضعة .. وكان من اكبر أنواع الظلم .. عدم إنزال شريعة الله مقامها العظيم في مضمار التحكيم والتكريم..
{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (5) سورة الجمعة
لاحظ .. الوصف الإلهي .. أنهم حمير .. وظالمين في آن واحد .. ظالم .. لأنه لم يستعمل آليات الذهن والجهد في تفعيل هذا الكتاب العظيم تشريعا وحكما
وانه استعمل عقله على نحو خاطئ .. أو لم يستعمله على الإطلاق .. انه لم يفّعل الذهن .. ليس إلا حمارا يحمل أسفارا .. فهو لا يدرى كنه المجد الكائن بين طياته .. ما أسوأ أن يكون العلاج لكل معضلاتنا بين ايدينا ونمنعه عن الشعوب

إنها سادية الاستبداد .. ولهذا قالوا ان بطن الارض ارحم حالا من الاستبداد .. ذلك لأن الاستبداد يستدرج الشعوب الى محطات غير مقبولة ألا وهي الكفر والانتحار..ذلك لأنه يهدر قيمة الإنسان كآدمي .. ولايبقي له على شيء.. لا دين ولا دنيا .. فجوف وكرش الاستبداد شاسع اكبر من صحراء نيفادا او.. الاسكيمو ... ان يستوعب مليارت وكنوزالارض و الشعوب بشكل لا يتخيله عقل .. وفي الوقت نفسه .. لا يجد الفرد من الشعب ثمن لعلاج او دواء .. او كسرة خبز .. الاستبداد لا يبقي على دين .. ولا دنيا .. فالمستبد هو الاله .. والشعب هو العبيد .. وكان ساديا على مر التاريخ .. يقوم بمهنة قذرة .. يبتدئها دوما مع رجال الفكر .. فما الذي يجعل المهدي بن بركة يذاب في الاسيد .ما الذي شنق سيد قطب . ومن ثم تطبق النظريات الاجرامية على الشعوب .. التجويع من أجل التطويع .. انتهاء الى ما تمارسه اليوم اسرائيل مع حماس ,, وامريكا مع حماس .
لذا كان لقد خلق الله الانسان ليعيش كريما في سعة .ورغد من العيش الا ان الاستبداد. يتمرس في كيف ..ينهب الوجبة البسيطة من قوت الضعيف ..
قال الشاعر

حتى متى فرعون يقهر عزتي والى متى هامان ينهب زادي
والى متى يقلق راحتى كسرى وقيصر يسترق بلادي
ما في الممالك والمدائن سالم من سوط جبار وصولة عادي

إن آليات العيش الكريم .. ابتداء وانتهاء .. تنطلق من مقام تفعيل القرآن الكريم في النفوس والشعوب .. والتحكيم .. {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ} (66) سورة المائدة
.. أي انهم لو أقاموا وفعّلوا كلمة الله ..لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم .. تصور الى هذه الدرجة .. عندما يفعّل العدل .كما حدث في عهد عمر بن عبد العزيز .. لم يجدوا فقيرا ولا مسكينا ليمنحوه عطاء من بيت المال . الكل غني ..
{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا} (16) سورة الجن
ولكن هناك اولئك الساديون من لا يريد العيش الكريم للشعوب ومن يمارسون إذلال الشعوب وإهانة الشعوب بالرغم أن الله انزله مقام التكريم . {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (70) سورة الإسراء... لا انه يريده ,, جائعا .. لاهثا .. عن رغيف خبز .. يقف في طابور طويل ويخوض معركة صباحية ومسائية أمام الخباز .. بغية أن يحصل على بضعة ارغفه تسد رمقه ورمق أولاده الصغار..
ان ما نراه اليوم .. هو تعطيل وليس تفعيل .. لمباديء السماء وشريعة السماء .. واستعاضوا عنها بقوانين القرصنة والسلب والنهب .. قرآننا ذلك الكتاب الذي كان سفر المجد الأول والأخير للأمة عطلوه .. ليس في التحكيم فحسب .. بل بإيعاز من واشنطن تغلق .. مدارس تحفيظ القرآن .. يريدون ان يستبدلوا حضارة المجد القرآني بحضارة الايدز النصراني .. لقد جاء القرآن لكي يفّعل في هذا الوجود .. حكما وتشريعا وتلاوة واستنباطا للأحكام .. كي تسير الشعوب على هديه وأحكامه .. ولكن انظروا إلى ابسط آليات التفعيل .. إن مكانه مجهولا في بيوت المسلمين وعليه الغبار .. ولا يتلى إلا في رمضان .. كيف والمجد كائن لكم بين صفحاته كيف وهذا ذكركم .. شرفكم ومجدكم ..
آليات التفعيل ,, تنطلق من اللحظة .. ان يأتي كل أب مسلم على النابغ من أبناءه بل كل ابناءه ويحفظهم القرآن .. ويجعلوا لهم في البيت جلسه يوميه مع القرآن .. لابد ان يفّعل القرآن في البيت المسلم ..
لابد أن يقوم الكتاب والمفكرين .. على إعلاء كلمة الله في الأرض .. ويفعّلوا دور الكلمة نحو مجد الأمة ومجد الدين ..
لابد على المناضلين السياسيين أن يقوموا على تفعيل كلمة الله من خلال العمل لتحكيم شرع الله ..
لابد من تفعيل بعد الوعظ والإرشاد الديني وفي استيعاب مفهوم لا اله إلا الله .. والتوحيد .. حتى تستشعر الشعوب الحرية .. وحب الله

تغيير الكون لن ينجم إلا من خلال تفعيل القرآن وسنة والمصطفى .. في الوجود .. وبث روح العدل والحرية المنطلقة من الإيمان .. مشروع الاسلام الحضاري في الكون .. لابد أن يأخذ مجرى التفعيل ..فمازال لدى الاسلام الكثير ليقدمه للبشرية .. ولنا أن نقول لكم إن كل الوجوه المتعددة التي تراها على الساحة في الكون .. مهما اختلفت مشاربها .. لا تحمل الا وجها .. وهو الوجه الكالح للباطل ولها مسمىً واحدا ألا وهو الباطل .. ناهيك انهم ليس لديهم مشروع حضاري يقدمونه .. وبالتالي ليسوا مؤهلين للضلوع بمهام هذا الامر .. ألا وهو الامر والنهي في الكون وقيادة البشرية .. فقط ان الامر ..يخص الاسلام .. وحده فقط هو المؤهل للقيام بهذا الدور .. وليس لأي امة أخرى فيه ناقة ولا جمل.ل

القرآن الكريم كتاب الله
Idols for Destruction: The Conflict of Christian Faith and American Culture. by Herbert Schlossberg