mardi, mai 23, 2006

تقرير منظمة العفو الدولية للعام 2006

رقم الوثيقة
POL 10/018/2006
م23 مايو/أيار 2006
الفقراء والمحرومون في العالم يدفعون ثمن الحرب على الإرهاب

لندن قالت منظمة العفو الدولية اليوم، لدى نشر تقريرها السنوي، إن عام 2005 كان عام المتناقضات، إذ برزت بعض بشائر الأمل في مجال حقوق الإنسان، ولكنها أُهدرت بسبب ما تمارسه الحكومات القوية من خداع ورياء فضلاً عن وعودها التي لم تتحقق.
وبمناسبة نشر تقرير منظمة العفو الدولية للعام 2006، قالت الأمينة العامة للمنظمة أيرين خان إن الاعتبارات الأمنية للدول القوية والغنية قد حرفت اهتمام العالم وطاقاته عن الأزمات الخطيرة لحقوق الإنسان في أمكن شتى.
ومضت أيرين خان قائلةً: "لقد أقدمت الحكومات، فرادى وجماعات، على شل المؤسسات الدولية، وتبديد الموارد العامة سعياً وراء بعض المصالح الأمنية الضيقة، والتضحية بالمبادئ تحت ستار "الحرب على الإرهاب"، مع غض البصر عن الانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان. ونتيجةً لذلك، تعيَّن على العالم أن يدفع ثمناً باهظاً، تمثل في الانتقاص من المبادئ الأساسية وفي الخسائر الفادحة التي لحقت بأرواح الناس العاديين وبمصادر رزقهم".
وفي إشارة إلى الصراع الدائر في دارفور، والذي أدى إلى مصرع آلاف الأشخاص وتشريد الملايين، والذي ارتكبت خلاله جميع الأطراف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، قالت أيرين خان "إن الاهتمام المتقطع من حين لآخر، والإجراءات الضعيفة من جانب الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، كانا للأسف أقل بكثير مما يتطلبه الوضع في دارفور".
وفي غضون عام 2005، انزلق العراق إلى هوة عنف طائفي، وهو الأمر الذي دعا أيرين خان إلى التحذير بقولها: "عندما تكون الأطراف القوية من الغطرسة والعجرفة بحيث تحجم عن مراجعة وتقييم إستراتيجياتها، فإن العبء الأكبر يقع على عاتق الفقراء ومن لا حول لهم، وهم في هذه الحالة عامة العراقيين من النساء والرجال والأطفال".
كما بدا خلال العام المنصرم أن الوضع في إسرائيل والأراضي المحتلة قد سقط من قائمة الاهتمامات الدولية، مما عمَّق من إحساس الفلسطينيين بالتأزم واليأس، كما زاد من مخاوف السكان الإسرائيليين.
وبلغت وحشية وكثافة الهجمات على أيدي الجماعات المسلحة مستويات غير مسبوقة خلال العام، مما أسفر عن خسائر بشرية باهظة.
وتعقيباً على ذلك، قالت أيرين خان: "إن الإرهاب الذي تمارسه جماعات مسلحة هو أمر لا يُغتفر ولا يمكن قبوله، وينبغي أن يُقدم مرتكبوه إلى ساحة العدالة، ولكن من خلال محاكمات عادلة وليس من خلال التعذيب والاعتقال السري. ومن المحزن أن تزايد وحشية مثل هذه الحوادث في مختلف أنحاء العالم خلال العام المنصرم كان بمثابة دليل آخر مرير يؤكد أن "الحرب على الإرهاب" قد مُنيت بالفشل وأنها ستواصل الفشل ما لم تكن الأولوية لحقوق الإنسان وأمن البشر وليس للمصالح الضيقة للأمن القومي".
واستدركت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية قائلة: "ومع ذلك، فقد ظهرت خلال عام 2005 دلائل واضحة على الأمل بالرغم من اليأس".
فقد شهد العام الماضي واحدة من أكبر الحركات الرامية إلى حشد قوى المجتمع المدني في الحرب ضد الفقر، والنضال من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وقد أظهرت قمة الأمم المتحدة، التي بحثت مدى التقدم في تحقيق "أهداف الألفية للتنمية"، تقاعس الحكومات بشكل مؤسف عن أن تجعل أفعالها متماشيةً مع وعودها. فعلى سبيل المثال، تشدقت الحكومات بضمان الحقوق الإنسانية للمرأة، ولكنها تقاعست عن تحقيق الأهداف العالمية المتمثلة في ضمان المساواة بين الفتيات والفتيان في الحصول على التعليم.
وفي غضون عام 2005، حققت الدعوة إلى إقرار العدالة مكسباً آخر، عندما أصدرت "المحكمة الجنائية الدولية" أولى لوائح الاتهام المتعلقة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في أوغندا. كما اهتزت الحصانة التي كان يتمتع بها رؤساء الدول السابقون في أمريكا اللاتينية، إذ وُضع أوغستو بينوشيه رهن الإقامة الجبرية في منزله، ونُفذ أمر دولي بالقبض على ألبرتو فوخيموري.
ومن ناحية أخرى، بدأت بعض الحكومات القوية تخضع للمحاسبة أمام المحاكم والمؤسسات العامة في بلدانها. فقد رفضت أعلى محكمة في المملكة المتحدة خطة الحكومة لاستخدام الأدلة المنتزعة تحت وطأة التعذيب. كما شرع مجلس أوروبا والبرلمان الأوروبي في إجراء تحقيقات بخصوص ضلوع دول أوروبية في عمليات "النقل الاستثنائي" التي تقودها الولايات المتحدة، وهي نقل سجناء دون وجه حق إلى بلدان يتعرضون فيها لخطر التعذيب أو غيره من الانتهاكات.
وشيئاً فشيئاً تكشفت أدلة جديدة على أن بعض الحكومات الأوروبية كانت شريكة في الجريمة مع الولايات المتحدة، بإهدارها للحظر المطلق على التعذيب وسوء المعاملة، وإقدامها على توسيع نطاق التعذيب من خلال نقل سجناء إلى دول، مثل مصر والأردن والمغرب والسعودية وسوريا، وهي دول معروفة بممارسة التعذيب.
ومضت أيرين خان قائلة: "من المؤسف أن بعض الحكومات تحاول أن تجد سبلاً جديدة للتملص من التزاماتها، وذلك بدلاً من أن تقبل وترحب بالجهود التي بذلتها بعض المحاكم والمجالس التشريعية من أجل ترسيخ الاحترام للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان".
فقد واصلت المملكة المتحدة سياسة "التأكيدات الدبلوماسية"، وهي مجرد "ضمانات على الورق"، مقابل السماح بإعادة أشخاص إلى بلدان قد يتعرضون فيها للتعذيب.
وفي الولايات المتحدة، صدر تشريع يؤكد مجدداً حظر التعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة، وذلك بالرغم من معارضة الرئيس بوش، إلا إن التشريع نفسه فرض قيوداً مشددة على حق معتقلي غوانتانامو في أن يطلبوا من المحاكم الفيدرالية النظر في معاملتهم داخل المعتقل.
وقالت أيرين خان: "إذا كان من الواجب علينا إدانة الهجمات الإرهابية على المدنيين بأقوى ما يمكن من عبارات، فإن من الضروري أيضاً التصدي لما تدعيه بعض الحكومات من أن بالإمكان محاربة الإرهاب باستخدام التعذيب. فمثل هذه الادعاءات مضللة وخطيرة وخاطئة، إذ لا يمكن إخماد النار بصب الزيت عليها".
وأضافت أيرين خان تقول: "إن الأقوال والمعايير المزدوجة التي تنتهجها الحكومات القوية تمثل أمراً خطيراً، لأنها تضعف قدرة المجتمع الدولي على التصدي لمشاكل حقوق الإنسان، من قبيل المشاكل في دارفور والشيشان وكولومبيا وأفغانستان وإيران وأوزبكستان وكوريا الشمالية، وهي تجيز لمرتكبي الانتهاكات في هذه الدول وغيرها أن يقترفوا أعمالهم وهم بمنأى عن العقاب والمساءلة.
"وعندما تحجم حكومة المملكة المتحدة عن أن تنطق بكلمة بشأن الاعتقال التعسفي وسوء المعاملة في معتقل غوانتانامو، وعندما تتغاضى الولايات المتحدة عن الحظر المطلق المفروض على التعذيب، وعندما تلزم الحكومات الأوروبية الصمت إزاء سجلها في عمليات نقل السجناء أو العنصرية أو اللاجئين، فإن هذه الحكومات جميعها تهدر سلطتها الأخلاقية في أن تتزعم قضايا حقوق الإنسان في أماكن أخرى من العالم.
"وإذا كانت الأمم المتحدة قد أمضت وقتاً كبيراً على مدار العام في مناقشة قضية إصلاح هيئاتها الأساسية والعضوية في هذه الهيئات، فقد تقاعست عن أن تولي اهتماماً لمسلك اثنتين من أبرز الدول الأعضاء، وهما الصين وروسيا، إذ دأبتا على السماح للمصالح السياسية والاقتصادية الضيقة بأن تطغى على الاعتبارات المتعلقة بحقوق الإنسان، على الصعيدين المحلي والدولي".
ومضت أيرين خان قائلةً: "إن الدول التي تتحمل القدر الأكبر من المسؤولية عن ضمان الأمن العالمي داخل مجلس الأمن قد أثبتت خلال عام 2005 أنها الأكثر استعداداً لشل المجلس ومنعه من اتخاذ إجراءات فعالة بخصوص حقوق الإنسان.
وهكذا، فإن الحكومات القوية تتلاعب بحقوق الإنسان على نحو خطير، ويُعد استمرار النزاعات التي طال أمدها، وتفاقم انتهاكات حقوق الإنسان، دليلاً صارخاً لا يمكن لعين أن تخطئه".
وفي الوقت نفسه، فقد شهد عام 2005 بوادر تغير في المزاج العام، وهو ما عقبت عليه أيرين خان بقولها: "ينبغي الاستعانة بقوى الضغط الناشئة على نحو فعال من أجل تحويل اللامبالاة على المستوى الدولي إلى عمل ملموس".
وتتمثل المطالب الأساسية لمنظمة العفو الدولية خلال عام 2006 فيما يلي:
· مطالبة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي بالتصدي للنزاع الدائر في دارفور ووضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان هناك؛مطالبة الأمم المتحدة بالبدء في إجراء مناقشات بشأن وضع معاهدة دولية لتجارة الأسلحة تحكم عمليات بيع الأسلحة الصغيرة، بما يكفل ألا تُستخدم في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان؛مطالبة الإدارة الأمريكية بإغلاق معتقل خليج غوانتانامو، والإفصاح عن أسماء وأماكن جميع من اعتُقلوا في سياق "الحرب على الإرهاب" في أماكن أخرى؛مطالبة مجلس حقوق الإنسان، الذي أُنشئ حديثاً في إطار الأمم المتحدة، بأن يصر على أن تتبنى جميع الحكومات معايير متكافئة لاحترام حقوق الإنسان، سواء في دارفور، أو غوانتانامو، أو الشيشان، أو الصين.واختتمت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية حديثها قائلةً: "إن الحكم على السلطة السياسية والأخلاقية للحكومات سوف يستند بشكل متزايد إلى مواقف تلك الحكومات إزاء حقوق الإنسان داخل حدودها وخارجها. فقد أصبح العالم، أكثر من أي وقت مضى، يتطلب من الدول القوية ذات النفوذ على المستوى الدولي، وهي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وتلك التي تتطلع إلى الحصول على هذه العضوية، أن تتصرف بمسؤولية وباحترام لحقوق الإنسان. وينبغي على حكومات العالم أن تكف عن التلاعب بحقوق الإنسان

تقرير منظمة العفو الدولية للعام 2006
شهد عام 2005 مواجهات ناجحة مع بعض من أقوى الحكومات في العالم. فقد كشفت وسائل الإعلام ما تتسم به من رياء، وفنَّدت المحاكم ما تتذرع به من حجج، وقاوم نشطاء حقوق الإنسان ما تنتهجه من أساليب قمعية. وبعد خمس سنوات من الانتكاسات التي عانتها حقوق الإنسان في سياق "الحرب على الإرهاب"، بدا أن رياح التغيير قد أقبلت في الأفق. ومع ذلك، فقد تعرضت أرواح الملايين في شتى أرجاء العالم للخطر من جراء إنكار الحقوق الأساسية، كما كان أمن البشر عرضةً لتهديدات جمَّة بسبب الحروب والهجمات التي تشنها الجماعات المسلحة، فضلاً عن الجوع والأمراض والكوارث الطبيعية، بينما كُبلت الحريات تحت وطأة القمع والتمييز والإقصاء الاجتماعي.ويوثق تقرير منظمة العفو الدولية للعام 2006 انتهاكات حقوق الإنسان في 150 بلداً وإقليماً في مختلف أنحاء العالم، ويسلط الضوء على الحاجة الماسة لأن تبادر الحكومات وأطراف المجتمع الدولي والجماعات المسلحة وغيرها من القوى في مواقع السلطة أو النفوذ بتحمل مسؤولياتها. كما يبين التقرير مدى الحيوية التي تتصف بها حركة حقوق الإنسان في العالم، وهو الأمر الذي يتجلى في المبادرات المحلية أو في مؤتمرات القمة العالمية أو في المظاهرات الحاشدة.وبالرغم من الغضب على استمرار انتهاكات حقوق الإنسان، فإن أعضاء منظمة العفو الدولية وأنصارها في جميع أنحاء العالم يتمسكون بأهداب الأمل ويواصلون نضالهم من أجل الحرية والعدالة لجميع البشر

نظرة عامة على الوضع العالمي
نظرة عامة على الوضع العالمي البحث عن أمن البشرتغطية الأحداث التي وقعت خلال الفترة من يناير إلى ديسمبر 2005
التعذيب والإرهاب : الصراع وما يعقبه : دافع الخوف: من وراء المعاناة بسبب الهوية : فقراء ومنبوذون وبعيدون عن الأنظار : الخاتمة
نظرة عامة على الوضع العالميوصلات ذات الصلة
شهد عام 2005 بعض التحديات الكبرى للحكومات، تمثلت في الصراعات الضارية، والاعتداءات الإرهابية، والانتشار السريع لوباء نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) والفيروس المسبب له، واستمرار انتشار الفقر والكوارث الطبيعية على نطاق واسع.وكان ينبغي مواجهة هذه التحديات بأساليب تستند إلى مبادئ حقوق الإنسان، ولكن ذلك لم يحدث في أكثر الأحيان، إذ واصلت الحكومات، فرادى وجماعات، اتباع سياسات كثيراً ما أدت إلى التضحية بحقوق الإنسان لأسباب سياسية أو اقتصادية.وفي الوقت نفسه، أظهر ملايين البشر في شتى أرجاء العالم مؤازرتهم لمطلب زيادة المساءلة والشفافية والإقرار بمسؤوليتنا المشتركة عن التصدي لهذه التهديدات بصورة جماعية. فمن الجموع الغفيرة التي التفت حول شعار "طي صفحة الفقر إلى الأبد"، إلى تصدي المحامين والنشطاء لحكومات دول قوية في قضايا تُعتبر فتحاً جديداً، كانت قوى المجتمع المدني تضغط على الحكومات للوفاء بمسؤولياتها.وشهد العام المنصرم تفهماً متنامياً للحقيقة المتمثلة في أن احترام سيادة القانون أمر جوهري لأمن البشر، وأن تقويض مبادئ حقوق الإنسان في "الحرب ضد الإرهاب" لا يمكن أن يكون السبيل إلى الأمن. وبالمثل، تزايد الإدراك بأن عدم احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعدم حمايتها وتلبيتها يُعتبر ظلماً فادحاً وحرماناً من التنمية البشرية. والواقع أن جهود الناس العاديين، سواء في التصدي للحاجات العاجلة للمتضررين من الكوارث الطبيعية أو في التصدي لمحنة الأفراد من ضحايا القمع الحكومي، كثيراً ما كانت تُخجل الحكومات وتدفعها إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة.ويقتضي أمن البشر أن يَسْلَم الأفراد وتَسْلَم المجتمعات ليس فقط من الحروب ومذابح الإبادة الجماعية والهجمات الإرهابية، بل أيضاً من الجوع والمرض والكوارث الطبيعية. وعلى مدار عام 2005، واصل النشطاء نضالهم من أجل مساءلة منتهكي حقوق الإنسان ذوي السمعة السيئة، ومساءلة الشركات المتعددة الجنسيات ذات الجبروت، وكذلك من أجل وضع حد للعنصرية والتمييز والنبذ الاجتماعي.وكان عدد كبير من انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في عام 2005 من تلك التي تتجاوز الحدود الوطنية، من التعذيب و"تسليم" الأشخاص إلى الآثار السلبية لسياسيات التجارة وسياسات المعونة. وإذا كانت الحدود قد تعرضت للإزالة في بعض جوانب العلاقات الدولية، وخاصةً في مجال المعاملات الاقتصادية، فقد استمرت إقامتها في مجالات أخرى، ولاسيما مجال الهجرة.ولا شك في أن ثمة إدراكاً متنامياً لضرورة وضع حلول عالمية للأخطار العالمية، من الإرهاب إلى أنفلونزا الطيور. كما كانت هناك حالات كثيرة تذكِّر بضرورة إصلاح الأمم المتحدة، من بينها استمرار عجز مجلس الأمن عن مساءلة الدول المخطئة؛ وافتضاح أمر الفساد بين عدد من كبار موظفي الأمم المتحدة المسؤولين عن تنفيذ "برنامج النفط مقابل الغذاء"؛ والصمت الذي صاحب العجز عن تحقيق أول أهداف الألفية للتنمية، والتي وضعتها الأمم المتحدة؛ وعجز المؤسسات المالية الدولية عن التصدي لعدم المساواة في مجالات التجارة والمعونة والديون. وقد اقترحت قيادة الأمم المتحدة نفسها عدداً من المبادرات البعيدة الأثر، ولكن النتائج المحدودة لمؤتمر القمة العالمي، الذي عقدته الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول، كشفت عن ترجيح المصلحة الوطنية الذاتية الضيِّقة على الآمال الجماعية.ومع ذلك، فقد تحقق بعض التقدم، ولاسيما في مجال تدعيم نظام العدالة الدولية الناشئ، المتمثل في "المحكمة الجنائية الدولية"، والمحاكم الدولية المخصصة، وزيادة تطبيق الولاية القضائية العالمية. وبعد سنوات من الدعوة إلى تخصيص موارد إضافية لمكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، زادت ميزانيته زيادة ملحوظة. وكان موضوع إحلال مجلس لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة محل لجنة حقوق الإنسان، التي ساءت سمعتها كثيراً، لا يزال قيد المناقشة. وكان من شأن هذه الخطوات، وخاصة ازدياد قوة وتنوع العاملين في سبيل حقوق الإنسان على مستوى العالم، أن تشجع منظمة العفو الدولية على تجديد التزامها بإضفاء الطابع العالمي على العدالة باعتباره وسيلة لتلبية حقوق الجميع سعياً إلى إرساء أمن البشر.التعذيب والإرهاباستمر التحدي الذي واجهته حركة حقوق الإنسان في أعقاب الاعتداءات التي تعرضت لها الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/أيلول 2001 . فقد واصلت بعض الحكومات ترويج الزعم بأن حقوق الإنسان تمثل عقبة في طريق أمن البشر ولا تمثل شرطاً مسبقاً له. ومع ذلك، فبفضل جهود دعاة حقوق الإنسان وغيرهم، تنامي الانتقاد وازدادت مقاومة جهود الحكومات لإيلاء حقوق الإنسان مرتبة ثانوية بالقياس إلى المسائل الأمنية.وعلى الرغم من الموارد والجهود الحكومية الملتزمة بالقضاء على الإرهاب، فقد شهد العام زيادة عد الهجمات التي شنها أفراد وجماعات مسلحة لأسباب شتى في بلدان كثيرة.وقد وقعت اعتداءات متعمدة على المدنيين، تنتهك أولى المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان في شتى أنحاء العالم. ففي الهند، على سبيل المثال، وقعت سلسلة تفجيرات بالقنابل في دلهي، أثناء الاستعداد لموسم الاحتفالات السنوي، في أكتوبر/تشرين الأول، مما أسفر عن مصرع 66 شخصاً وإصابة ما يزيد على 220 بجراح. وفي العراق تعرض، المئات للقتل أو الإصابة على أيدي الجماعات المسلحة على مدار العام. وفي الأردن، انفجرت ثلاث قنابل في بعض الفنادق في العاصمة عمان، أسفرت عن مقتل 60 شخصاً، في نوفمبر/تشرين الثاني. وفي المملكة المتحدة، وقعت تفجيرات بالقنابل في خطوط المواصلات العامة في لندن، في يوليو/تموز، فأدت إلى مقتل 52 شخصاً وإصابة المئات بجراح.وكانت بعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومات لمكافحة الإرهاب تمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان. بل إن بعض الحكومات حاولت تقنين أو تبرير الأساليب المخالفة التي طالما اعتبرها المجتمع الدولي غير مشروعة ومن المحال تبريرها على الإطلاق.واستمر احتجاز الآلاف من المشتبه في علاقتهم بالإرهاب، في معتقلات تديرها الولايات المتحدة في شتى أنحاء العالم، دون أدنى أمل في توجيه التهمة إليهم أو محاكمتهم محاكمة عادلة. وبنهاية عام 2005، كان نحو 14 ألف شخص، ممن احتجزتهم الولايات المتحدة وحلفاؤها في غضون عمليات عسكرية وأمنية في العراق وفي أفغانستان، لا يزالون محتجزين في المعتقلات العسكرية الأمريكية في أفغانستان، وخليج غوانتنامو في كوبا، وفي العراق. وقد أضرب عشرات المعتقلين في غوانتنامو عن الطعام احتجاجاً على ظروف اعتقالهم، ولجأت السلطات إلى إطعامهم بالقوة.كما تعرض المشتبه في علاقتهم بالإرهاب للاعتقال في بلدان أخرى أيضاً، وظل بعضهم رهن الاحتجاز فترات طويلة دون تهمة أو محاكمة، ومنها الأردن ومصر والمملكة المتحدة واليمن. وكان آخرون يرزحون في السجون ويواجهون خطر الترحيل إلى بلدان يُمارس فيها التعذيب بصورة مألوفة، وتعرض كثيرون من المعتقلين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.وفي غضون عام 2005، ظهر بصورة جلية مدى تواطؤ أو مشاركة بلدان كثيرة في دعم سياسات وممارسات الولايات المتحدة، التي تنطوي على انتهاك حقوق الإنسان، في سياق "الحرب على الإرهاب"، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة والاحتجاز سراً لفترات غير محدودة، وترحيل الأشخاص عبر الحدود الوطنية. وواجهت حكومات كثيرة مطالبتها مراراً بزيادة المساءلة، وصدرت قرارات قضائية رئيسية دفاعاً عن المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، بل وظهرت دلائل التوتر داخل حكومة الولايات المتحدة نفسها بشأن الحد من الحريات الأساسية.واستمر في عام 2005 ظهور المعلومات التي ساعدت في فضح بعض الممارسات السرية التي تنطوي على انتهاك حقوق الإنسان، مما انتهجته بعض الدول تحت ستار محاربة الإرهاب. فعلى سبيل المثال، ظهر مزيد من المعلومات عن الترحيل غير المشروع لمن يُشتبه في علاقتهم بالإرهاب من بلد إلى آخر دون اتخاذ أي إجراء قانوني، وهو المعروف في الولايات المتحدة بمصطلح "حالات "الترحيل الاستثنائية". واتضح أن الولايات المتحدة قامت، من خلال ذلك، بنقل كثير من المحتجزين إلى بلدان عُرف عنها استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أثناء التحقيق، ومن بينها الأردن وسوريا ومصر والمغرب والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة واليمن. وكان من شأن هذه العمليات نقل ممارسة التعذيب في الواقع إلى بلدان أخرى.ويتبدى المعنى الحقيقي لأسلوب الترحيل هذا في ما حدث في عام 2005 لشخص يُدعى محمد الأسد، وهو مواطن يمني يقيم في تنزانيا. إذ قُبض عليه في 26 ديسمبر/كانون الأول 2003، في منزله في مدينة دار السلام، وعُصبت عيناه، وكُبلت يداه، ونُقل عن طريق الجو إلى مكان مجهول. وكان ذلك بداية محنة استمرت 16 شهراً، تعرض فيها للاعتقال والتحقيق معه سراً، ومُنع من الاتصال بالعالم الخارجي أو معرفة مكان وجوده.وقد ظل محتجزاً عاماً كاملاً في معتقل سري تعرض فيه للحرمان الشديد من التمتع بحواسه، فلم ينطقْ حُرَّاسُه الملثمون بكلمة واحدة يخاطبونه بها، بل كانوا يصدرون تعليماتهم إليه بلغة الإشارة. وكان يسمع على الدوام همهمةً خفيضة لأصوات رجال ذوي بشرة بيضاء، وكان الضوء الأبيض مضاءً حوله على مدار 24 ساعة يومياً. وقال المسؤولون التنزانيون لوالد محمد الأسد إن ابنه قد نُقل إلى حجز أمريكي، وإن أحداً لا يعرف أين يوجد. ولم تتلق أسرته أية أنباء عنه حتى نُقل جوَّاً إلى اليمن، في مايو/أيار 2005، حيث زُجَّ به في السجن، بناءً على طلب السلطات الأمريكية. وكان محمد الأسد لا يزال مسجوناً في اليمن دون تهمة أو محاكمة بحلول نهاية عام 2005 .وكانت الشهادات الأخرى التي أدلى بها المعتقلون المفرج عنهم، والتي جمعتها منظمة العفو الدولية في عام 2005، تشبه التجربة التي خاضها ووصفها محمد الأسد بصورة مفزعة. فقد قامت الولايات المتحدة بنقل رجلين يمنيين آخرين إلى اليمن، في مايو/أيار 2005 ، حيث ظلاً في الحجز دون تهمة أو محاكمة بحلول نهاية العام. ووصف الثلاثة في مقابلات شخصية منفصلة مع منظمة العفو الدولية، جرت في يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2005، كيف ظلوا قيد الحبس الانفرادي فترات تتراوح بين 16 و18 شهراً في معتقلات سرية يديرها مسؤولون أمريكيون. وقد جاءت المقابلات التي أجرتها منظمة العفو الدولية بأدلة قوية جديدة على وجود الشبكة الأمريكية للمعتقلات السرية في شتى أرجاء العالم.وفي ديسمبر/كانون الأول 2005، وبعد أن قال وزير الخارجية البريطاني إنه لا علم له بلجوء الطائرات التي تحمل الأشخاص المنقولين إلى التزود بالوقود في المملكة المتحدة أو استخدام أية مرافق أخرى فيها منذ أوائل عام 2001، نشرت منظمة العفو الدولية تفاصيل إعادة تموين ثلاث رحلات جوية بالوقود في المملكة المتحدة بعد ساعات من نقل المعتقلين إلى بلدان يتعرضون فيها لخطر "الاختفاء" أو التعذيب أو غيره من صور المعاملة السيئة. وتزايد خلال عام 2005 الكشف عن معلومات أخرى، بفضل الأدلة التي قدمها الضحايا بأنفسهم من جانب والتحريات الحكومية من جانب آخر، وهي معلومات تشير إلى احتمال مشاركة بلدان أوروبية أخرى في عمليات نقل سرية مماثلة. وأُجريت التحريات في ألمانيا وإيطاليا والسويد في الدور الذي اضطلع به المسؤولون الحكوميون في حالات نقل معينة، كما أجرت السلطات الإسبانية تحقيقاً في استخدام المطارات والمجال الجوي الإسباني من جانب الطائرات التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. وفي أيسلندا وأيرلندا وهولندا، طالب بعض مسؤولي الحكومة أو النشطاء بإجراء تحقيقات رسمية.أما التحقيقات التي أجراها الصحفيون وأعضاء منظمة العفو الدولية وغيرهم في عام 2005 فتكاد تقطع بأن الحكومة الأمريكية تدير شبكة من السجون الخفية، المعروفة باسم "المواقع السوداء". فقد تواترت الأنباء بأن "وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية" قد أدارت معتقلات سرية مماثلة في الأردن وأفغانستان وأوزبكستان وباكستان وتايلاند والعراق، وغيرها من الأماكن المجهولة في أوروبا ومناطق أخرى، بما في ذلك موقع في دييغو غارثيا التابعة لبريطانيا في المحيط الهندي. وقد "اختفى" نحو 30 شخصاً ممن يُعتبرون ذوي قيمة "استخبارية" عالية، وذلك أثناء احتجازهم لدى الولايات المتحدة، وزُعم أنهم معتقلون في بعض "المواقع السوداء" ومن ثم فهم محرمون تماماً من التمتع بحماية القانون.وفي نوفمبر/تشرين الثاني، شرع مجلس أوروبا في إجراء تحقيق في الأنباء التي تقول إن هناك مواقع في أوروبا شاركت في الشبكة الأمريكية للسجون السرية وفي عمليات نقل الأشخاص. وأعربت منظمة العفو الدولية عن مؤازرتها الشديدة لمطالبة الحكومات الأوروبية بالتحقيق في أمثال هذه المزاعم من جانب مسؤولي مجلس أوروبا، وقد صرح أحدهم قائلاً "إن الجهل ليس مقبولاً، سواء أكان مقصوداً أو عارضاً".وقد شاركت منظمة العفو الدولية في تنظيم مؤتمر في لندن مع منظمة غير حكومية تدعي "التمهل"، ومقرها في المملكة المتحدة، في نوفمبر/تشرين الثاني، وأدلى فيه بعض المعتقلين السابقين وأسر المعتقلين المحتجزين في غوانتنامو أو في معتقلات داخل المملكة المتحدة بشهاداتهم عن المعاناة الإنسانية الناجمة عن الاعتقال دون تهمة أو محاكمة. فقد تحدثت ناديا ديزداريفيتش، زوجة بوديلا هادز وهو من مواطني البوسنة والهرسك وما زال محتجزاً في غوانتنامو منذ أربع سنوات، عن العذاب النفسي الذي تعانيه أُسر المعتقلين قائلة:"يصعب عليَّ القيام بواجب الأم نحو أطفالي لأنني لا أجد من الوقت ما يكفي لهم، وليس لهم في الدنيا سواي... فعندما يأتي الليل وأضع أولادي في الفراش ليناموا أبدأ عملي، وبينما ينام العالم كله في سلام أعمل أنا دون كلل في كتابة الشكاوى والطلبات والرسائل وفي تعلم القوانين ودراسة اتفاقيات حقوق الإنسان حتى أواصل نضالي في سبيل الحياة والإفراج عن زوجي والآخرين".وعلى مر السنين، كانت الحكومات تطلب "تأكيدات دبلوماسية" من البلدان التي عُرف عنها استخدام التعذيب حتى تسمح لها بترحيل الأشخاص إليها. وفي عام 2005، سعت حكومة المملكة المتحدة إلى الاعتماد على التأكيدات الدبلوماسية وعقدت مذكرات تفاهم مع الأردن ولبنان وليبيا، وكانت تسعى إلى اتخاذ ترتيبات مماثلة مع الجزائر ومصر ودول أخرى في المنطقة. وقد عارضت منظمة العفو الدولية استعمال هذه "التأكيدات الدبلوماسية" لأنها تنتقص من الحظر المطلق للتعذيب وهي في جوهرها غير موثوق بها ولا يمكن تنفيذها بالقوة.ولا شك أن هذه الأدلة على مشاركة حكومات كثيرة في عمليات نقل التعذيب إلى بلدان أخرى أو تواطؤها أو تغاضيها عنها تؤكد ضرورة زيادة المحاسبة على المستوى العالمي في عالم أصبحت فيه مسؤوليات حقوق الإنسان لا تتوقف عند حدود دولة من الدول.ونقل التعذيب إلى بلدان أخرى يعني أن الولايات المتحدة وبعض حليفاتها الأوروبية، وهي الدول التي استمرت على مدار عقود طويلة تدين التعذيب دون تحفظات في كل الأوقات وفي كل الظروف، قد أقدمت علناً على تحدي الحظر المطلق للتعذيب، والمعنى المضمر في هذا هو أنها تعتقد أنه يمكن تبرير بعض التعذيب وسوء المعاملة في إطار "الحرب على الإرهاب".وقد واصلت الإدارة الأمريكية محاولاتها لإعادة تعريف وتبرير أشكال معينة من التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة تحت ستار "الأمن القومي" والنظام العام. وقد سُئل المدعي العام الأمريكي ألبرتو غونزاليز عن موقف حكومة الولايات المتحدة من معاملة السجناء فأوضح أن حكومته سوف تضع التعريف الخاص بها للتعذيب. وعلى الرغم من إنكار القيادة الأمريكية أن الحكومة توافق على التعذيب، فقد برزت أدلة على أن "وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية" كانت تستخدم أساليب مثل "الغمر بالماء" (أي الإغراق الوهمي) أو الوضع في الأصفاد فترات طويلة أو التبريد الشديد مع السجناء في المعتقلات السرية. ويبدو أن بعض الأشخاص داخل الإدارة الأمريكية كانوا لا يزالون يعتقدون أن أشكالاً معينة من التعذيب وسوء المعاملة مقبولة إذا استخدمت في جمع المعلومات الاستخبارية اللازمة لمكافحة الإرهاب. ومع ذلك، فإن ازدياد المعارضة لهذه السياسات داخل الولايات المتحدة، حيث أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي في آخر العام قانوناً يؤكد حظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وبين حلفاء الولايات المتحدة في "الحرب ضد الإرهاب"، يُحيي الأمل في اتخاذ موقف أكثر مراعاة للمبادئ تجاه حقوق الإنسان والأمن في المستقبل.ولم تكن انتهاكات حقوق الإنسان في إطار سياسات مكافحة الإرهاب مقصورة على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. ففي أوزبكستان، زعمت السلطات أن المشاركين في المظاهرة التي وقعت في بلدة أنديجان، والتي قتل فيها بعض المتظاهرين السلميين، كانوا مدفوعين لفعل ذلك من "الإرهابيين". وفيما بعد، أُدين أكثر من 70 شخصاً بارتكاب جرائم "إرهابية" في أعقاب محاكمات جائرة، وحُكم عليهم بالسجن مدداً طويلة بزعم مشاركتهم في مظاهرة الاحتجاج.وفي الصين، واصلت السلطات التذرع بحجة "الحرب على الإرهاب" في العالم لتبرير إجراءات القمع الصارمة في منطقة شينجيانغ أوغور ذات الحكم الذاتي، والتي أدت إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد أبناء طائفة "الأوغور". وإذا كانت الحملة الأخيرة "للضرب بشدة" على أيدي المجرمين قد هدأت في معظم مناطق البلاد، فإنها تجددت رسمياً في منطقة شينجيانغ أوغور، في مايو/أيار 2005، بهدف القضاء على "الإرهاب، والنزعات الانفصالية والتطرف الديني"، وأسفرت عن إغلاق عدد من المساجد غير المرخص بها واعتقال أئمتها. واستمر اعتقال أو سجن دعاة النزعة القومية من أبناء طائفة "الأوغور"، بما في ذلك النشطاء السلميون. وكان الذين وُجهت إليهم تهم "انفصالية" أو "إرهابية" خطيرة يواجهون خطر السجن مدداً طويلة أو الحكم بإعدامهم، وأما الذين يحاولون نقل معلومات إلى خارج البلاد بشأن نطاق القمع فكانوا يواجهون الاعتقالات التعسفي والسجن. وواصلت السلطات اتهام النشطاء من أبناء "الأوغور" بممارسة الإرهاب دون تقديم أدلة مُقْنعة على صدق هذه الاتهامات.وفي سنغافورة وماليزيا، حيث تسمح تشريعات الأمن القومي باحتجاز المشتبه في علاقتهم بالإرهاب مدداً طويلة دون محاكمة، ظل العشرات محتجزين بموجب قوانين الأمن الداخلي دون تهمة أو محاكمة.وفي كينيا وبعض البلدان الإفريقية الأخرى، كانت مقولات مكافحة الإرهاب تُستخدم في تبرير القوانين القمعية، التي تهدف إلى إسكات أصوات المدافعين عن حقوق الإنسان وإعاقة عملهم.وفي عام 2005، أدى افتضاح الممارسات غير المشروعة التي تلجأ إليها الحكومات باسم مكافحة الإرهاب إلى حشد وتأكيد المطالب المتنامية بالمساءلة، كما ساعد على ما يبديه دعاة حقوق الإنسان والمحامون والصحفيون وكثيرون غيرهم من عزم وتصميم في العمل في سبيلها على رفع غطاء السرية والكشف عن أن الدول تقوم بنقل واعتقال وتعذيب الذين تشتبه في علاقتهم بالإرهاب.وشهد عام 2005 أيضاً بعض النجاحات في كفاح قوى المجتمع المدني لوقف اتجاه الحكومات إلى التذرع بدواعي الأمن لاستخدام المعلومات المنتزعة من خلال التعذيب. فقد انتهى العام بانتصار قضائي عندما خسرت حكومة المملكة المتحدة معركتها القانونية في المحاكم المحلية لإلغاء الحظر المفروض منذ قرون على قبول المحاكم في الإجراءات القضائية لمعلومات منتزعة عن طريق التعذيب. وكانت منظمة العفو الدولية قد تدخلت في القضية، ودفعت بأن الحظر المطلق للتعذيب وسوء المعاملة في القانون الدولي يحول دون مثل هذه القبول.وأدت محاولات الحكومات لإضعاف شوكة الحظر المفروض على التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة إلى الإضرار بالنزاهة الأخلاقية والفاعلية العملية للجهود المبذولة للقضاء على الإرهاب، وقد أظهر عام 2005 الضرورة القصوى لمساءلة الحكومات عن سيادة القانون، وأكدت من جديد أن القضاء المستقل النزيه يضطلع بدور حيوي في الحيلولة دون تقليص الضمانات الأساسية وكفالة احترام حقوق الإنسان.الصراع وما يعقبهاستمر انخفاض عدد الصراعات المسلحة في شتى أنحاء العالم، ولكن المحصلة العامة للمعاناة البشرية لم تنخفض. وكان العنف المستمر يتغذى بوجبات منتظمة من الأحقاد التي ما زالت قائمة، والتي نشأت من سنوات الصراع المدمر وعدم محاسبة مرتكبي الانتهاكات. وتكفل استمرار هذا العنف سهولة الحصول على الأسلحة؛ وتهميش وفقر مجموعات كاملة من السكان؛، والفساد المنتظم والمنتشر؛ وعدم التصدي لإفلات مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني من العقاب.وقد تعرض الملايين للعنف والمشقة في الصراعات التي تسببت في نشوبها أو إطالة أمدها حالات التقاعس الجماعي للزعماء السياسيين والجماعات المسلحة، وإلى حد ما المجتمع الدولي. فكان الملايين يكابدون المزيد من انعدام الأمن والجوع والتشرد في أعقاب الصراعات، دون أن يقدم المجتمع الدولي الدعم اللازم لهم لإعادة بناء حياتهم.كما أن تقاعس الحكومات والجماعات المسلحة عن السعي لإيجاد الحلول السلمية اللازمة لوضع حد للصراع، والالتزام بالتسوية من خلال المفاوضات، قد أضر أضراراً بالغة بالحقوق الإنسانية للناس العاديين. وقد سعت بعض الحكومات للانتفاع بالصراعات المؤثرة في بلدان أخرى، فقدمت السلاح لطرف دون الآخر، وهي تتبرأ من المسؤولية عن ذلك. وعندما تمكن المجتمع الدولي من حشد التأييد اللازم للضغط على الفصائل المتحاربة، سواء من خلال مجلس الأمن الدولي أو من خلال الهيئات الإقليمية، كانت الأطراف تتقاعس في كثير من الأحيان عن الوفاء بالتزاماتها، على نحو ما حدث في السودان وساحل العاج.وفي سعيها لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية، كانت القوات الحكومية والجماعات المسلحة، في كثير من الأحيان، تبدي تجاهلاً تاماً للسكان المدنيين الذين يتصادف وجودهم في طريقها؛ بل وكانت تعمد إلى استهداف المدنيين في إطار استراتيجيتها الحربية. وكانت الغالبية العظمى من ضحايا الصراعات المسلحة في عام 2005 من المدنيين، وتعرضت النساء والفتيات للعنف الذي يصاحب أي حرب، كما تعرضن بصفة خاصة للإيذاء، وخصوصاً الإيذاء الجنسي. ففي بابوا غينيا الجديدة، أفادت الأنباء أن أقارب الفتيات كانوا يقدموهن في مقابل البنادق. وفي جمهورية الكونغو الديموقراطية، اختطف مقاتلون مسلحون أعداداً كبيرة من النساء واغتصابهن، كما كان الأطفال يُجندون للقتال في ما يقرب من ثلاثة أرباع الصراعات التي وقعت في شتى أنحاء العالم.وانصب اهتمام العالم إلى حد كبير على العراق والسودان وإسرائيل والأراضي المحتلة، بينما تجاهل العالم إلى حد كبير أو تناسي الصراعات الطويلة الأمد في أفغانستان، والشيشان في روسيا الاتحادية، ونيبال، وشمال أوغندا، وغير ذلك من مناطق العالم.وفي العراق، تقاعست القوات المتعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة، والجماعات المسلحة، والحكومة الانتقالية جميعها عن احترام حقوق المدنيين. فقد شنَّت الجماعات المسلحة عمداً هجمات على المدنيين وتسببت في خسائر كبيرة في الأرواح، كما استهدفت المنظمات الإنسانية وعذبت أو قتلت عدداً من الرهائن. وكان مقتل اثنين من المحامين في محاكمة صدام حسين من دلائل الانعدام المزمن للأمن في البلاد، وهو الأمر الذي أدى إلى تقليص جذري لقدرة كثير من النساء والفتيات العراقيات على ممارسة حياتهم اليومية في أمان، كما تعرض عدد من السياسيات، والناشطات والصحفيات، من العراقيات وغير العراقيات للاختطاف أو القتل. وتكاثرت الأدلة في عام 2005 على أن القوات المتعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة ورجال الأمن الخصوصيين الأجانب قد ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، من بينها قتل المدنيين العُزَّل وتعذيب السجناء. كما أدى التقاعس عن إجراء تحقيقات فعالة في هذه الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين إلى تقويض المزاعم التي ترددها قوات الاحتلال والسلطات الانتقالية بأنها تعمل على إعادة سيادة القانون في البلد.وأدى إجلاء نحو ثمانية آلاف مستوطن إسرائيلي من قطاع غزة، في إطار ما يُسمى "خطة فك الارتباط"، إلى تحويل نظر العالم عن استمرار إسرائيل في توسيع المستوطنات الإسرائيلية وبناء جدار بطول 600 كيلومتر في الضفة الغربية المحتلة، حيث يقيم نحو 350 ألف مستوطن إسرائيلي، خلافاً لما يقضي به القانون الدولي. وكان وجود المستوطنات الإسرائيلية في شتى أرجاء الضفة الغربية هو السبب الرئيسي للقيود الصارمة، من قبيل نقاط التفتيش والحواجز، التي يفرضها الجيش الإسرائيلي على تنقل نحو مليونين من الفلسطينيين بين القرى والمدن داخل الضفة الغربية المحتلة. كما أدت هذه القيود المفروضة على حرية التنقل إلى إصابة الاقتصاد الفلسطيني بالشلل، والحد من إمكانية وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم وأماكن عملهم وإلى المؤسسات التعليمية والصحية. ونجم عن ذلك إذ تزايد حدة الفقر والبطالة والشعور بالإحباط وانعدام المستقبل في عيون السكان، ومعظمهم من الشباب، وساهم هذا الوضع بدوره في تصاعد أعمال العنف ضد الإسرائيليين وداخل المجتمع الفلسطيني نفسه، بما في ذلك تزايد انعدام القانون في الشارع والعنف في محيط الأسرة. ومع ذلك فقد شهد العام المنصرم انخفاضاً بارزاً في عدد القتلى من الجانبين، حيث قُتل نحو 190 فلسطينياً، من بينهم نحو 50 طفلاً، على أيدي القوات الإسرائيلية، وقُتل 50 إسرائيلياً، بينهم ستة أطفال، على أيدي جماعات فلسطينية مسلحة، وذلك بالمقارنة بما يربو على 700 فلسطيني و109 إسرائيليين قُتلوا في عام 2004 .واستمرت الفظائع في إقليم دارفور بالسودان، على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها المجتمع الدولي في عام 2005 للتوصل إلى حل سياسي يضع نهاية للعنف. فقد أقدمت قوات الحكومة السودانية والميليشيات المتحالفة معها (الجنجويد) على قتل أعداد من المدنيين أو إصابتهم في غارات بالقنابل وفي هجمات على القرى، فضلاً عن اغتصاب نساء وفتيات، وإرغام أبناء القرى على مغادرة أراضيهم. كما تصاعدت الانتهاكات على أيدي جماعات المعارضة المسلحة، وذلك بسبب انهيار هياكلها القيادية الناجم عن زيادة انقسام الفصائل والاقتتال بين الزعماء المتنافسين. وقد وصف الأمين العام للأمم المتحدة، كما وصفت هيئات الأمم المتحدة، الانتهاكات المرتكبة في دارفور بأنها مذهلة في نطاقها ومؤلمة في طبيعتها، إذ شملت انتهاكات حقوق الإنسان المنتشرة والمنتظمة، وانتهاكات القانون الإنساني، وإرغام الملايين على النزوح، وظهور الجوع. وفي أوائل عام 2005، توصلت الأمم المتحدة إلى اتفاق سلمي عن طريق المفاوضات، وهو ما أحيا الأمل في "الظفر بالسلام"، كما نشر الاتحاد الإفريقي قوات هناك، ولكن صلاحياته في مجال حماية المدنيين كانت محدودة، كما زادت من إعاقتها الضآلة النسبية للجنود الذين نشرهم الاتحاد الإفريقي وافتقارها إلى الدعم من حيث الإمداد والنقل. ولم يستمر السلام، إذ اكتشفت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة أن الحكومة وميليشيات "الجنجويد" كانت مسؤولة عن جرائم بموجب القانون الدولي، ومن ثم أحال مجلس الأمن قضية دارفور إلى "المحكمة الجنائية الدولية". وعلى الرغم من شروع المحكمة في إجراء التحقيقات، فقد انتهى عام 2005 دون أن يُسمح لها بدخول أراضي السودان.وقد ظهرت أنماط مماثلة لهذا في صراعات كثيرة أخرى لم تحظ بنفس الاهتمام الدولي في عام 2005، مثل استهداف المدنيين، والإيذاء الجنسي للنساء والفتيات على وجه الخصوص، واستخدام الأطفال كجنود، ونمط الإفلات من العقاب. وقد دارت رحى هذه الصراعات في المناطق الحضرية والريفية، وكانت تُستخدم فيها، بصفة عامة، الأسلحة الصغيرة والخفيفة. وكثيراً ما كانت جيوب العنف تتفجر دون أن يكون هناك وجود يُذكر للتسلسل القيادي أو المساءلة، بل إن بعض الحكومات كثيراً ما لجأت إلى تسليح المدنيين في محاولة لإبعاد نفسها عن المساءلة أو تحمل وزر الانتهاكات.ولا تزال الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان تُرتكب في كولومبيا بنفس المعدلات العالية من جانب جميع الأطراف بعد 30 عاماً من الصراع الداخلي المسلح. وقد صدر قانون ينص على نزع السلاح وتسريح أفراد الجماعات شبه العسكرية والجماعات المسلحة، وإن كان يُخشى أن يسمح هذا القانون بإفلات مرتكبي أخطر انتهاكات حقوق الإنسان من العقاب، مع استمرار ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق التي يُفترض أن الجماعات شبه العسكرية قد سرَّحت أفرادها فيها. كما إن السياسات الحكومية الرامية إلى إعادة دمج أفراد الجماعات المسلحة غير المشروعة في الحياة المدنية تنطوي على المخاطرة بإعادة انضمامهم إلى الصراع.وعلى الرغم من المزاعم عن عودة الأحوال في جمهورية الشيشان إلى مجاريها الطبيعية، فقد شنَّت قوات الأمن الروسية والشيشانية غارات ذات أهداف محددة في الشيشان، ارتُكبت فيها انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. وأفادت الأنباء أن الجنود الروس والشيشانيين ارتكبوا أعمال عنف ضد المرأة بوجه خاص، كان من بينها الاغتصاب أو التهديد بالاغتصاب. كما ارتكبت جماعات المعارضة المسلحة الشيشانية انتهاكات، من بينها اعتداءات متعمدة على المدنيين وهجمات عشوائية دون تمييز. وبالمثل، وقعت أعمال عنف وقلاقل في جمهوريات شمال القوقاز الأخرى، وكثيراً ما اقترنت بأنباء عن انتهاكات لحقوق الإنسان. وفي نيبال، تدهور وضع حقوق الإنسان تدهوراً شديداً في ظل حالة الطوارئ، التي فُرضت في فبراير/شباط 2005، حيث قُبض على آلاف الأشخاص لدوافع سياسية، وفُرضت رقابة صارمة على أجهزة الإعلام، فضلاً عن الفظائع على أيدي قوات الأمن والجماعات الماوية. وقد أوفدت منظمة العفو الدولية بعثة إلى نيبال عقب إعلان حالة الطوارئ مباشرة، ودعت بعدها حكومات المملكة المتحدة والهند والولايات المتحدة، وهي المصادر الرئيسية للأسلحة في نيبال، إلى الكف عن تزويد نيبال بجميع الإمدادات العسكرية حتى تتخذ الحكومة خطوات واضحة لوضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان. ووجهت دعوة مماثلة إلى بعض الحكومات الأخرى، ومن بينها ألمانيا وبلجيكا وجنوب إفريقيا وفرنسا (التي توفر المكونات الحساسة للطائرات المروحية التي تتولى الهند تجميعها وتقديمها إلى نيبال). وعلى الرغم من استجابة بعض الحكومات إلى هذه المناشدة بإيقاف الإمدادات العسكرية، واصلت الصين تقديم الأسلحة والذخيرة إلى نيبال.وأدى العجز عن التصدي لمظاهر الظلم الواضحة، والإفلات من العقاب، والسيطرة على انتشار الأسلحة، إلى استمرار العنف وانعدام الأمن في بلدان كثيرة تحاول الخروج من لُجَّة العنف، بل كثيراً ما تبدَّى الافتقار إلى الإرادة السياسية والصرامة اللازمة لضمان احترام الاتفاقات والتنفيذ الدقيق لها حتى في البلدان التي شهدت الاتفاق على اتخاذ خطوات على طريق السلام.وفي أفغانستان، استمرت ظواهر غياب القانون وانعدام الأمن وأعمال الاضطهاد، والتي يكابدها الملايين من الأفغانيين في حياتهم. فقد كان زعماء الفصائل، الذين يُشتبه في أن كثيرين منهم ارتكبوا جرائم جسيمة ضد حقوق الإنسان في السنوات السابقة، يمسكون بزمام السلطة العامة بعيداً عن سيطرة الحكومة المركزية. وأدى غياب سيادة القانون إلى حرمان الكثيرين من ضحايا حقوق الإنسان من الإنصاف، وكان جهاز العدالة الجنائية شبه عاجز عن العمل. كما سقط آلاف القتلى المدنيين في هجمات شنتها قوات الولايات المتحدة وحلفائها، والجماعات المسلحة.وشهدت ساحل العاج انهياراً فاجعاً في الاقتصاد أدى إلى نشوب صراع في البلد الذي كان يُعتبر إلى عهد قريب من أكثر البلدان استقراراً في غرب إفريقيا. وساهمت سهولة الحصول على الأسلحة في وقوع انتهاكات لاتفاق وقف إطلاق النار، وإلى الصراع بين الجماعات العرقية في غربي البلد، وإلى ظهور نزعة كراهية الأجانب، واستمرار استخدام الأطفال كجنود. وعلى الرغم من جهود الاتحاد الإفريقي لإعادة السلام والأمن إلى ربوع البلاد، فإن عملية نزع السلاح وتسريح المقاتلين وإعادة اندماجهم في المجتمع ظلت مجمدة. وفي أكتوبر/تشرين الأول، نشرت منظمة العفو الدولية على الملأ أنباء انتشار الأسلحة الصغيرة، وإعادة توزيعها، واحتمال عقد صفقات شحنات سلاح جديدة موجهة إلى طرفي في الصراع معاً، على الرغم من الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على توريد السلاح.وفي عديد من البلدان التي انتهى فيها الصراع، سادت تقاليد الإفلات من العقاب، أي عدم إحالة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان إلى العدالة، مما أدى إلى استمرار دورات العنف. ففي سري لنكا، على سبيل المثال، تدهورت أوضاع الأمن في عام 2005 بسبب تقاعس الحكومة والمعارضة المسلحة عن إنجاح ضمانات حقوق الإنسان الواردة في اتفاق وقف إطلاق النار. وقد تفاقمت حالات التوتر الناجمة عن ندرة الموارد بسبب النزوح الداخلي الناشئ من الصراع ومن موجة المد البحري (تسونامي).وقد يستمر الكفاح للتغلب على الإفلات من العقاب عقوداً طويلة بل وأجيالاً متعاقبة. فقد أصرت الناجيات من محنة الاسترقاق الجنسي العسكري في اليابان إبان الحرب العالمية الثانية، واللائي يُطلق عليهن اسم "نساء الترفيه"، على الإقرار بمحنتهن وإنصافهن لمدة زادت على نصف قرن، وإن كان عددهن يتضاءل على مر الزمن. ولكن الحكومة اليابانية رفضت من جديد في عام 2005 قبول المسؤولية عن ذلك، أو الاعتذار رسمياً، أو تقديم تعويض رسمي عن المعاناة التي كابدتها آلاف النساء.ومع ذلك، فقد كانت هناك بعض الجوانب الاستثنائية في تلك الصورة القائمة بوجه عام، منها إجراء الانتخابات في بعض البلدان التي انتهى فيها الصراع. فقد أدت زيادة الاستقرار في سيراليون إلى رحيل قوات الأمم المتحدة من البلاد. وأفرجت "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وساحل الذهب" (المعروفة اختصاراً باسم "جبهة البوليساريو")، التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية، عن 404 عن أسرى الحرب المغاربة الذين ظلوا محتجزين ما يربو على عقدين، على الرغم من التوقف الرسمي للعمليات العسكرية منذ 14 سنة. وخطت جهود التغلب على الإفلات من العقاب خطوة أخرى حين لاح أمل تقديم قادة "جيش الرب للمقاومة"، المتهمين بارتكاب جرائم حرب في شمالي أوغندا، إلى "المحكمة الجنائية الدولية".دافع الخوف: من وراء المعاناة بسبب الهويةكان طمس الحدود الثقافية، والذي كثيراً ما يرتبط في الأذهان بالعولمة، أبعد ما يكون عن قهر الانقسامات العميقة القائمة على الهوية، بل لقد صاحبه استمرار نزعات العنصرية والتمييز وكراهية الأجانب، بل وزيادة ذلك كله، في رأي البعض. فعلى امتداد العالم كله، تعرض أشخاص للعدوان وللحرمان من حقوقهم الإنسانية الأساسية، بسبب النوع، والجنس، والانتماء العرقي، والدين، والميل الجنسي، وغير ذلك من الجوانب المماثلة للهوية، أو بسبب مجموعات من هذه الهويات.وفي سياق "الحرب على الإرهاب"، شهد عام 2005 استمرار الاستقطاب على أسس الهوية في عالم يزداد فيع التعصب والخوف، وأصبح الكثيرون أهدافاً لسهام التمييز والعنف بسبب هويتهم. وكان المسلمون، ومن يُعرفون بأنهم مسلمون، وأفراد الأقليات الأخرى، والمهاجرون، واللاجئون، من بين الضحايا. وقال بعض أبناء الجاليات المسلمة في أوروبا وغيرها إنهم يشعرون بأنهم محاصرون: فهم يخافون تفجير القنابل ويكرهونه، ولكنهم يشعرون كذلك بازدياد العنصرية، وهو ما تتبناه إلى حد ما بعض الحكومات وأجهزة الإعلام التي تربط بشكل عام بين "الخطر الإرهابي" من جهة و"الأجانب" و"المسلمين" من جهة أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، يعاني الكثيرون من تدابير مكافحة الإرهاب التي تقوم على التمييز، في القانون وفي الواقع العملي، إذ استمر تصوير الشباب الذكور من المسلمين في صورة "النماذج الإرهابية".وفي سياق جهودها لتأكيد قدرتها على مقاومة التحديات الموجهة إلى سلطتها، عمدت النظم القمعية إلى استهداف الأقليات العرقية أو الدينية. وكان من أبرز الأمثلة الصارخة على ذلك معاملة الجماعات الكردية في سوريا وإيران، إذ ورد أن قرابة 21 شخصاً قد قُتلوا، وأُصيب العشرات، وقُبض على ما لا يقل عن 190 شخصاً في غضون الانقضاض الوحشي على القلاقل المدنية التي نشبت في المناطق الكردية في غربي إيران اعتباراً من يوليو/تموز، وكانت إجراءات القبض الجماعي والإفراط في استعمال القوة ضد المتظاهرين في المناطق الكردية بمثابة جانب من جوانب نمط الإيذاء الذي تتعرض له الأقليات العرقية في إيران، حيث يشكل الفُرس زهاء نصف سكان إيران، بينما يتكون النصف الباقي من جماعات عرقية أخرى، من بينها الأكراد والعرب والترك الآذريين.وفي سوريا أيضاً، استمر الأكراد يعانون من التمييز بسبب الهوية، وتمثل ذلك في القيود المفروضة على استعمال اللغة الكردية والثقافة الكردية، وما زال عشرات الآلاف من الأكراد السوريين بلا جنسية في الواقع، وقد حرموا بناءً على ذلك من التمتع الكامل بالتعليم والخدمات الصحية، والتوظف، إلى جانب عدم الحق في التمتع بجنسية أي بلد. ومع ذلك، أمر "حزب البعث" الحاكم، في أول مؤتمر يعقده منذ عشر سنوات، في يونيو/حزيران، بإعادة النظر في تعداد السكان الذي أُجرى عام 1962، وهو ما قد يؤدي إلى منح الجنسية السورية إلى الأكراد غير الحاملين لأي جنسية.وكان أصحاب الآراء المعارضة للآراء الدينية السائدة يُعاقبون عقاباً قاسياً في بعض البلـدان. ففي مصر، ظل متولي إبراهيم متولي صالح رهن الاحتجاز الإداري بسبب آرائه العلمية الخاصة بالارتداد عن الدين وزواج المسلمات من غير المسلمين، وذلك على الرغم من صدور الحكم لصالحه سبع مرات على الأقل من جانب محكمة أمن الدولة العليا (طوارئ). وفي باكستان، حيث تنص "قوانين التجديف" في الدين على أن ممارسة طائفة الأحمدية لشعائرها تمثل جريمة جنائية، كانت تحقيقات الشرطة في مقتل بعض الأحمديين بطيئة، أو لم يتم إجراء تحقيقات أصلاً. ففي حادثة واحدة فقط، في أكتوبر/تشرين الأول، قُتل ثمانية من الأحمديين وجُرح 22 آخرون في مسجدهم، وذلك برصاص أشخاص يستقلون دراجة بخارية مسرعة. وبعد ذلك بقليل، ألقت الشرطة القبض على 18 رجلاً لكنها أفرجت عنهم دون توجيه تهم لهم. وفي الصين، ظلت القيود الشديدة مفروضة على ممارسة الشعائر الدينية خارج القنوات الرسمية. ففي مارس/آذار، أصدرت السلطات توجيهاً جديداً يهدف إلى تعزيز السيطرة الرسمية على الأنشطة الدينية، وفي إبريل/نيسان، تجدد الانقضاض على حركة "فالون غونغ" الروحية. وقال أحد المسؤولين في بكين إنه ما دامت تلك الحركة قد أصبحت محظورة باعتبارها "منظمة مارقة"، فإن أي نشاط يرتبط بحركة "فالون غونغ" يُعتبر غير مشروع. وورد أن كثيرين ممن يمارسون شعائر "فالون غونغ" ظلوا رهن الاحتجاز، حيث يتعرضون التعذيب أو سوء المعاملة.وفي إريتريا، حيث انقضت الحكومة على الكنائس المسيحية الإنجيلية في عام 2005، كان أكثر من 1750 من أتباع هذه الكنائس وعشرات المسلمين رهن الاحتجاز بسبب عقائدهم الدينية في نهاية العام، وهم محتجزون إلى أجل غير مسمى وبمعزل عن العالم الخارجي، دون تهمة أو محاكمة، وبعضهم في أماكن سرية. وتعرض كثيرون منهم للتعذيب أو سوء المعاملة، كما احتجزت أعداد كبيرة منهم في حاويات شحن معدنية أو في زنازين تحت الأرض.وكان ما تعتبره السلطات افتقاراً إلى "النقاء" العرقي في تركمانستان ذريعة لها لحرمان بعض الأشخاص من التوظف والتعليم، حيث طُورد الكثيرون من ينتمون إلى الأقليات العرقية، مثل الأوزبكيين والروس والكازاخيين، من وظائفهم وحرموا من التعليم العالي. وتعرض أبناء الأقليات الدينية لخطر المضايقة، والاعتقال التعسفي، والسجن في أعقاب محاكمات جائرة، وسوء المعاملة. وفي عام 2005، صدقت لاتفيا على "إطار الاتفاقية لحماية الأقليات القومية" الصادرة عن مجلس أوروبا، ولكن تعريف الحكومة لمصطلح "الأقلية" يستثنى معظم أفراد الجالية الناطقة بالروسية من التأهل للاعتراف بهم كأقلية.وظل السكان الأصليون في كثير من البلدان يُعتبرون طبقة متدنية، وكانوا من ضحايا انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان. وتحقق بعض التقدم خلال عام 2005 بخصوص المناقشات الخاصة بإصدار إعلان دولي عن حقوق السكان الأصليين، وهي المناقشات التي ظلت متجمدة لما يقرب من عقد كامل. وعلى المستوى الوطني، تجلى هذا التلكؤ الذي أبداه المجتمع الدولي في الاستجابة لحاجة السكان الأصليين الماسة للاعتراف بحقوقهم وحمايتها. ففي البرازيل، على سبيل المثال، كانت الإجراءات التي اتخذتها الحكومة من ترسيم حدود أراضي السكان الأصليين والمصادقة عليها أبعد ما تكون عن الأهداف الموعودة. وقد ساهم ذلك في انعدام أمن المجتمعات المحلية الأصلية وتعرضها لاعتداءات اتسمت بالعنف، وإجلائها بالقوة، مما أدى إلى تفاقم الحرمان الاقتصادي والاجتماعي الذي كان شديد الوطأة أصلاً.وقال "مقرر الأمم المتحدة الخاص المعنى بأوضاع حقوق الإنسان والحريات الأساسية للسكان الأصليين"، بعد زيارته لنيوزيلندا في عام 2005، إنه رأى تفاوتاً كبيراً، يزداد اتساعاً في بعض الحالات، بين أبناء طائفة "الماوري" وبقية السكان، وأضاف إن أفراد "الماوري" يرون أن هذه نتيجة لتركة الوعود التي لم تتحقق عبر الأجيال، والتهميش الاقتصادي، والنبذ الاجتماعي والتمييز الثقافي.وفي الوقت الذي يشهد مستوى غير مسبوق من العولمة، حيث يجري تحطيم الحواجز التي تعوق حرية تدفق رأس المال والبضائع عبر الحدود، كان من المفارقات إخضاع تنقلات البشر عبر الحدود الوطنية للنظم التي تفوق في دقتها أية نظم سابقة. وأصبح العمال المهاجرون هدفاً للعدوان وسوء المعاملة بصفة خاصة، على الرغم من الفوائد التي تجنيها المجتمعات المضيفة من وجودهم. ويُقدر عدد المهاجرين الذين يقيمون ويعملون خارج بلدانهم الأصلية بنحو 200 مليون، وقد واجه كثيرون من العمال المهاجرين في شتى أنحاء العالم الاستغلال والإيذاء، من العمال الزراعيين البورميين في تايلند إلى العاملين والخادمات في الكويت. وكان هؤلاء العاملون عرضة للمعاملة السيئة على أيدي أصحاب العمل، ولا يتمتعون بأية حماية قانونية في كثير من الحالات وإلى حد يدعو للانزعاج، وفي الوقت نفسه لا يكادون يقدرون على اللجوء للعدالة. وكان العمال المهاجرون بصورة غير رسمية، ممن تتنبه السلطات لوجودهم، يتعرضون لخطر الاعتقال والطرد التعسفيين في ظروف تمثل انتهاكاً لحقوقهم الإنسانية.واستمر التجاهل الصارخ لحقوق المهاجرين وطالبي اللجوء في منطقة البحر المتوسط، شأنها في ذلك شأن مناطق كثيرة في العالم. فقد اعترضت السلطات بعضاً من الآلاف الذين يحاولون دخول الجيبين الإسبانيين في سبتة ومليلة، على ساحل البحر المتوسط، وأعادتهم بالقوة إلى المغرب، كما اعتقلت القوات المغربية عدداً من المهاجرين وطالبي اللجوء الفارين من الفقر المدقع والقمع في البلدان الإفريقية جنوبيّ الصحراء الكبرى. وقد رُحل بعضهم إلى الجزائر، ونُقل البعض الآخر إلى مناطق صحراوية نائية على طول الحدود مع الجزائر وموريتانيا، وتُركوا هناك دون قدر يُذكر من الطعام أو دون طعام على الإطلاق ودون وسيلة انتقال. كما استمر احتجاز المهاجرين وطالبي اللجوء في إيطاليا واليونان، وكثيراً ما كان ذلك في ظروف بالغة السوء.وقد رفضت معظم حكومات العالم الالتزام بتحسين أحوال حقوق المهاجرين. فبحلول ديسمبر/كانون الأول 2005، لم يكن عدد الدول التي صادقت على "الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم" قد تجاوز 34 دولة. وبحلول نهاية عام 2005، لم يكن قد تقدم بتقرير إلى "اللجنة المعنية بالعمال المهاجرين" التابعة للأمم المتحدة إلا دولتان من بين الدول العشرين التي التزمت بتقديم مثل هذا التقرير.وكثيراً ما كانت الاتفاقات الثنائية المعقودة بين البلدان المُرسلة للمهاجرين والبلدان المستقبلة لهم تتجاهل حقوق الإنسان للمهاجرين، وتعامل البشر باعتبارهم سلعاً أو "مقدمي خدمات"، أو "وسائل تنمية"، بغض النظر عن مساهمات المهاجرين في المجتمعات المضيفة لهم وفي بلدانهم الأصلية. وركزت كثير من البلدان على الضوابط التي تفرضها على حدودها، بينما غضت الطرف عن استغلال المهاجرين، بما في ذلك العمال المهاجرون المستخدمين في الاقتصاد غير الرسمي. وكثيراً ما تعرضت المساهمات المهمة من جانب المهاجرين في مجتمعاتهم المضيفة للتعتيم في المناقشات العامة، التي اتسمت في كثير من الأحيان بالعنصرية الصريحة وكراهية الأجانب، مما شجع على إيجاد مناخ تتعرض فيه انتهاكات حقوق الإنسان ضد المهاجرين للتجاهل أو حتى للصفح عنها.وكانت المهاجرات عرضةً بصفة خاصة لخطر طائفة بعينها من انتهاكات حقوق الإنسان بسبب النوع. ففي دولة الإمارات العربية المتحدة، حكمت إحدى المحاكم الشرعية على خادمة أجنبية بالجلد 150 جلدة لأنها حملت دون زواج. ولم تقتصر معاناة كثيرات من العاملات المهاجرات على الاستغلال الجنسي من جانب المهربين وأصحاب العمل، بل عانين أيضاً من التمييز المنظم في البلد الذي يعملن فيه. فعلى سبيل المثال، تعرضت امرأة هندية تعمل في الكويت الاغتصاب والحمل، فزُج بها في السجن بعد وضع مولودها، ولم يُسمح لها بمغادرة البلد دون موافقة والد الطفل.واستمر التمييز والعنف بسبب النوع في جميع بلدان العالم، على نحو ما سجلته منظمة العفو الدولية في تقاريرها الرئيسية الصادرة في غضون عام 2005، في إطار حملتها العالمية تحت شعار ""أوقفوا العنف ضد المرأة". ففي نيجيريا، تعرضت فتيات ونساء للضرب حتى فقدن البصر، أو لرش الكيروسين عليهن ثم إشعال النار فيهن، أو للحبس لأنهن أبلغن عن تعرضهن للاغتصاب، بل وللقتل لأنهن تجاسرن فأبلغن السلطات بأن أزواجهن يهددوهن بالقتل. وقد أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً عن العنف في محيط الأسرة في إسبانيا، حللت فيه العقبات التي تصادفها المرأة حين تحاول الهروب من علاقة تنطوي على الإيذاء. وبصفة خاصة كانت المهاجرات، أو النساء من طائفة "الروما" (الغجر)، والمصابات بإعاقات بدنية أو نفسية، نادراً ما يستطعن الوصول إلى دور الإيواء الخاصة أو الانتفاع بالمعونة المالية المخصصة للناجيات من أعمال العنف ضد المرأة.وعلى مدار عام 2005، ناضلت منظمة العفو الدولية في سبيل حقوق المرأة التي يتجاهلها نظام القضاء الجنائي. ولم تلق مئات من حالات النساء اللاتي اختُطفن وقُتلن في غواتيمالا الاهتمام الكافي من السلطات، وقالت الحكومة نفسها إن 40 بالمئة من الحالات كان مصيرها الحفظ ولم يجر التحقيق فيها مطلقاً. وكان مثل هذا التقاعس الرسمي بمثابة إشارة بالغة القوة إلى الذين يرتكبون هذه الجرائم بأن بوسعهم ارتكابها وهم بمنجاة من العقاب.وعلى الرغم من الخطوات التي اتخذت في سبيل زيادة الاعتراف القانوني بحقوق ذوي الميول الجنسية المثلية والثنائية والمتحولين إلى الجنس الآخر في بعض البلدان، فقد ظل هؤلاء يواجهون التمييز والعنف على نطاق واسع، وكثيراً ما كان المسؤولون يباركون ذلك. فقد حاولت السلطات في لاتفيا حظر أول مسيرة لذوي الميول الجنسية المثلية للاحتفاء بالكفاح في سبيل حقوق ذوي الميول الجنسية المثلية والثنائية والمتحولين إلى الجنس الآخر. وكان من شأن الملاحظات التي تعبر عن كراهية الميول الجنسية المثلية، التي أبداها رئيس وزراء لاتفيا وغيره من كبار الشخصيات الذين شاركوا مع الزعماء الدينيين في معارضة المسيرة، أن تشجع على انتشار جو التعصب والكراهية، حسبما ورد. وفي المملكة العربية السعودية، صدرت أحكام بالجلد والسجن على 35 رجلاً بسبب حضورهم ما وُصف بأنه "حفل زفاف بين شواذ". ونشرت منظمة العفو الدولية تقريراً رئيسياً عن الولايات المتحدة يتضمن نتائج بحوثها التي انتهت إلى أن ذوي الميول الجنسية المثلية والثنائية والمتحولين إلى الجنس الآخر كانوا هدفاً لانتهاكات حقوق الإنسان على أيدي الشرطة. وأدى التمييز ضدهم إلى فرض قيود كبيرة على انتفاعهم بالمساواة في الحماية في ظل القانون وبالانتصاف لأنفسهم من الانتهاكات. وفي حديث مع منظمة العفو الدولية، قال رجل من ذوي الميول الجنسية المثلية، يبلغ من العمر 60 عاماً وكان قد قبض عليه في مدينة سانت لويس بولاية ميسوري:"لم أرتكب أي خطأ... لم ألحق أذى بأي أحد، لكنني استُهدفت فحسب لكوني رجلاً مثلياً في حديقة المدينة... ليس ثمة ظلم أفدح من اختيار فئة بعينها واعتبار أفرادها مجرمين دون أن يكونوا كذلك".ولا شك أن حرمان شخص ما من حقوقه بسبب خصيصة لا يستطيع تغييرها أو تُعتبر أساسية في كيانه إلى الحد الذي لا ينبغي أن يُرغم معه على تغييرها، مثل الانتماء العنصري، أوالدين، أو النوع، أو الميل الجنسي، يعني الطعن في المنطلق الأساسي لحقوق الإنسان، أي الاعتقاد بأن جميع البشر متساوون في الكرامة والقيمة.فقراء ومنبوذون وبعيدون عن الأنظارفي غضون عام 2005، أصبح التزام المجتمع الدولي بتحقيق شعار "طي صفحة الفقر إلى الأبد" يشغل بشكل متنام موقعاً متقدماً في قائمة الاهتمامات الدولية. ولكن، إذا كان قادة الحكومات قد أعلنوا التزامهم بتخفيف حدة الفقر، وخاصةً في إفريقيا، فقد تضاءلت أو تلاشت آفاق تحقيق معظم الغايات المحددة في إطار "أهداف الألفية للتنمية"، التي وضعتها الأمم المتحدة وترمي إلى تحقيقها على مدى 15 عاماً. فقد انقضى العام دون تحقيق أول الأهداف التي حُدِّدت لها تواريخ معينة، وهو المساواة بين الجنسين في التعليم الأولى، دون احتجاج يذكر من جانب المجتمع الدولي، أو دون أي احتجاج على الإطلاق. واتسم العام بزيادة التصريحات الصادرة فيه عن الالتزام الحقيقي بالعمل، وبعدم الاهتمام الكافي بإقامة الاستراتيجيات على مبادئ حقوق الإنسان.ولا يُعتبر قيام الدول بالعمل على تخفيف حدة الفقر والحرمان على مستوى العالم من الكماليات الاختيارية، بل إنه التزام دولي. وقد شهد عام 2005 أحد معايير عدم وفاء الدول بهذا الالتزام، حيث وصل الإنتاج الاقتصادي العالمي إلى أعلى مستوى له على مر التاريخ، بينما كان ما يربو على 800 مليون شخص في شتى أنحاء العالم يعانون من سوء التغذية المزمن، وتُوفي ما لا يقل عن 10 ملايين طفل دون سن الخامسة، ولم يتمكن ما يزيد عن 100 مليون طفل (معظمهم من الإناث) من الالتحاق حتى بالتعليم الأولي.وكانت النتائج المخيبة للآمال التي تمخض عنها مؤتمر القمة العالمي، الذي عقدته الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول، دليلاً واضحاً على الفجوة التي تفصل الطنطنة السياسية عن الالتزام الحقيقي. فقد أعاق عدد صغير من الدول الجهود المبذولة لتحقيق تقدم يُعتد به في مجالات حقوق الإنسان، والأمن، والإبادة الجماعية والحد من الفقر. وكان على المندوبين أن يبذلوا جهوداً جبارة للحفاظ على الالتزامات التي سبق الإفصاح عنها، إلى الحد الذي لم يُتح لهم الوقت الكافي لمناقشة تنفيذ وثيقة نتائج المؤتمر، وهي إعلان سياسي أعربت فيه الحكومات عن تعهدات سياسية في مجالات أربعة وهي التنمية، والسلام والأمن، وحقوق الإنسان، وإصلاح الأمم المتحدة.وكان عدم إحراز تقدم في مجال تحقيق "أهداف الألفية للتنمية" يمثل صدمةً كبيرةً، نظراً لأن بعض تلك الأهداف وضعت مستويات للإنجاز المتوقع أدنى من المستويات التي لا بد على الدول أن تلبيها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. فلو تحقق، على سبيل المثال، هدف تخفيض الفقر إلى النصف لزاد إلى حد كبير متوسط العمر المتوقع والمستوى الصحي والكرامة الإنسانية. ومع ذلك، فإن الدول التي صادقت على "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، ويبلغ عددها 152 دولة، قد التزمت، على أقل تقدير، باتخاذ الإجراءات اللازمة لتخفيف حدة الجوع وكسر شوكته لجميع السكان، حتى في أوقات الكوارث الطبيعية أو غيرها من الكوارث.وإذا كان الفقر العالمي قد صعد إلى مكانة متقدمة على قائمة الاهتمامات العالمية خلال عام 2005، فقد كشف ذلك العام أيضاً عن أوجه التفاوت الاقتصادي والاجتماعي الشديد حتى في أغني البلدان. وقد صدمت عواقب إعصار كاترينا الكثيرين في شتى أنحاء العالم لأنها أماطت اللثام عن موطن ضعف الولايات المتحدة، ذات أقوى اقتصادي عالمي،وهو الذي يتمثل في الحرمان وجوانب التفاوت العنصري والفقر.وأدت أحداث الشغب في فرنسا إلى لفت الأنظار إلى التفاوت الاجتماعي والتمييز اللذين استمرا عقوداً ضد المهاجرين والمواطنين الفرنسيين ذوي الأصول الإفريقية. وتمثل رد الحكومة في إعلان حالة الطوارئ، وفرض حظر التجول، والسماح للموظفين المكلفين بتنفيذ القانون بالقيام بالتفتيش دون إذن قضائي، وإغلاق جميع أماكن الاجتماعات العامة مهما تكن، وفرض "الإقامة الجبرية" على بعض الأشخاص في منازلهم. كما أعلنت الحكومة اعتزامها طرد المهاجرين الذين أُدينوا أثناء أحداث الشغب، بغض النظر عما إذا كانوا يتمتعون بالحق المشروع في الإقامة في فرنسا.وظل الكثيرون عاجزين عن الحصول حتى على أدنى مستويات الغذاء والماء والتعليم والرعاية الصحية والإسكان في جميع البلدان على اختلاف نظمها السياسية ومستويات التنمية فيها. ولا يمكن أن يُعزى وجود الحرمان في وسط الوفرة إلى نقص الموارد وحده، بل إنه نشأ من عدم رغبة الحكومات وغيرها في علاجه، ومن الفساد الدائب فيها، ومن إهمالها، وما تبديه من تمييز، وكذلك من عدم احترامها وحمايتها وتلبيتها للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.فعلى سبيل المثال، عجز ملايين المصابين بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) أو الفيروس المسبب له عن الحصول على حقهم في الرعاية الصحية، لا بسبب الفقر فقط بل بسبب التمييز والوصمة الاجتماعية والعنف ضد المرأة، والاتفاقات التجارية واتفاقات براءات الاختراع التي تعوق الحصول على العقاقير الكفيلة بإنقاذ الحياة. وخلال عام 2005، لم يحصل على العقاقير المضادة للارتجاع الفيروسي في البلدان النامية إلا أقل من 15 بالمئة ممن يحتاجون هذا العلاج، وهو الأمر الذي يشهد لا على تقاعس الحكومات فحسب بل أيضاً على تقاعس الهيئات الحكومية الدولية والشركات عن الوفاء بمسؤولياتها المشتركة عن حقوق الإنسان.وأدى التقاعس عن تعزيز حقوق الإنسان في اقتصاد العولمة إلى إبراز المناقشة حول المسؤوليات التي تتحملها الشركات والمؤسسات المالية عن حقوق الإنسان. وقد خطت جهود وضع مبادئ حقوق الإنسان التي تنطبق على الشركات خطوة أخرى إلى الأمام في عام 2005، عندما قام الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين ممثل خاص له معنى بحقوق الإنسان والشركات المتعددة الجنسية وغيرها من الشركات التجارية. وقد دارت مناقشة حول وثيقة الأمم المتحدة الخاصة بمعايير حقوق الإنسان في مجال التجارة، وتحقق المزيد من التقدم نحو قبول الشركات لمدونات لقواعد السلوك تُطبق طوعياً. ومع ذلك، فما زالت هناك حاجة إلى مواثيق عالمية مشتركة لما تلتزم به الشركات إزاء حقوق الإنسان والمساءلة القانونية.وعلى امتداد العالم كله، كانت هناك حالات لا تُحصى تؤكد كيف يمكن أن يكون الفقر انتهاكاً مضاعفاً لحقوق الإنسان، المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وكيف يرتبط الفقر بالتهميش وبالتعرض للعنف ارتباطاً محتوماً في حالات كثيرة.ففي البرازيل، حيث يعيش الملايين في مدن الصفيح، كان من شأن استمرار تقاعس الحكومة عن التصدي للمستويات المنتظمة للعنف الإجرامي وانتهاكات حقوق الإنسان على أيدي الشرطة أن يعزز أنماط النبذ الاجتماعي. وأدى إصرار الدولة على إهمال الأمن العام في مدن الصفيح إلى ارتفاع معدلات القتل حتى أصبحت من أعلى المعدلات في العالم، بل وتسبب أيضاً، من الناحية الفعلية، في دفع مجتمعات بأكملها إلى هوة الجريمة، وهو الأمر الذي حد بشكل كبير من فرص الانتفاع بالخدمات العامة، وهي الهزيلة أصلاً، مثل التعليم والرعاية الصحية والتوظف. فعلى سبيل المثال، لم يكن الكثيرون من سكان مدن الصفيح يستطيعون الحصول على عمل حين يذكرون عنوان إقامتهم الحقيقي، إذ كانوا يُعتبرون على نطاق واسع في عداد المجرمين. كما كان العنف المسلح يمثل عنصراً لا مفر منه من عناصر الحياة اليومية، إما على أيدي عصابات المخدرات أو الشرطة أو "فرق الإعدام" في لجان الأمن الأهلية. وقد اتبعت الشرطة سياسة شن حملات شبه عسكرية على مدن الصفيح؛ لكنها فشلت في السيطرة على العنف بل وعرَّضت للخطر أرواح بعض أشد المستضعفين في المجتمع. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أُجري استفتاء حول فرض حظر شامل على بيع الأسلحة النارية في البرازيل، لكن نتيجته كانت سلبية. وعزا بعض المحللين هذه النتيجة إلى يأس الناس من الأوضاع الأمنية، وعدم إيمانهم بقدرة الشرطة على حمايتهم.وشهدت هايتي مستويات عالية من أحداث العنف، وخاصةً العنف الجنسي، على أيدي الجماعات المسلحة ولجان الأمن الأهلية ضد النساء في المجتمعات المحلية الفقيرة. وتعرضت بعض النساء بصفة مستمرة لخطر الاعتداء عليهن. ونظراً لشدة انخفاض معدل إدانة مرتكبي أحداث العنف الجنسي، وعدم توافر المؤازرة الرسمية أو الاجتماعية أو الأسرية للعمل على تحديد مرتكبيها والتحقيق معهم، لم يكن مستغرباً إحجام هؤلاء الضحايا عن السعي لتحقيق العدالة. وعادةً ما كان الموظفون المكلفون بتنفيذ القانون يتقاعسون عن حماية هؤلاء النسوة أو مساعدتهن في اللجوء إلى العدالة.وفي كثير من الأحيان، حُرم أفراد طائفة "الروما" في شتى أرجاء أوروبا من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأساسية، مثل الحصول على التعليم والخدمات الصحية، وكثيراً ما تعرضوا للإيذاء على أيدي الشرطة. ففي سلوفينيا، شكل أبناء "الروما" نسبة كبيرة من السكان الذين حُذفت أسماؤهم دون وجه حق من السجلات السلوفينية للمقيمين الدائمين في عام 1992، ويُطلق عليهم اسم "المحذوفين"، ومن ثم عجزوا عن الانتفاع بالخدمات الاجتماعية الأساسية.وكثيراً وُجهت انتقادات إلى المجتمع الدولي بسبب التقاعس عن تقديم المساعدة في الوقت المناسب وبالمستوى اللازم لمن يحتاجون إليها بصورة عاجلة، سواء بسبب الكوارث الطبيعية أو الأزمات الإنسانية. ومع ذلك، فقد تعرضت الجهود الإنسانية في بعض البلدان لعراقيل من جانب حكومات عاجزة أو عازفة عن تلبية حاجات الفقراء والمهمشين في بلدها نفسه. ففي زمبابوي، وعلى الرغم من الأدلة الدامعة على الحاجة الإنسانية للسكان، أعاقت الحكومة مراراً الجهود الإنسانية التي تبذلها الأمم المتحدة وهيئات المجتمع المدني، وذلك لأسباب سياسية. وكانت الآثار المترتبة على السياسات الحكومية من بين العوامل الرئيسية وراء الحاجة إلى الدعم الخارجي: حيث تعرض مئات الآلاف للطرد قسراً من بيوتهم، وفقد عشرات الآلاف مصادر أرزاقهم والقدرة على إعالة أسرهم.وشهد عام 2005 بعض الخطوات الإيجابية على طريق زيادة الاعتراف بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على المستويين الوطني والدولي. ومن ذلك قرار مهم أصدرته "محكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان" في القضية التي رفعتها فتاتان من أصل هايتي، هما ديليشيا يين وفيوليتا بوسيكو، ضد الجمهورية الدومينيكية التي حرمتهما من الالتحاق بالتعليم بسبب جنسيتهما. كما اتخذت الأمم المتحدة بعض الخطوات على طريق إنشاء آلية تابعة لها لتلقي الشكاوى المتعلقة بانتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومن شأن هذه الآلية أن تساعد في وضع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على قدم المساواة مع الحقوق المدنية والسياسية، وبهذا تضع حداً لهذا التصنيف التعسفي لحقوق الإنسان. ومن شأنها كذلك أن توجه ضربة للإفلات من العقاب لمرتكبي انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن تفتح سبيلاً، هناك حاجة ماسة له، لتمكين الضحايا من المطالبة بالإنصاف.الخاتمةترى منظمة العفو الدولية أن الأمن الحقيقي للبشر يعني تلبية جميع الحقوق، مدنية كانت أو ثقافية أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، إذ يرتبط بعضها بالبعض الآخر ولا يمكن تجزئتها، ومن ثم لا يجوز لأية سياسة أنية أن تتجاهل بُعْداً واحداً من أبعادها. ولن يستطيع البشر تحقيق الازدهار وتحقيق طاقاتهم الكامنة إلا إذا توفر الأمن لهم في جميع جوانب حياتهم، وهكذا فإن أمن البشر يعتمد على احترام وحماية وتلبية جميع أشكال حقوق الإنسان التي يعتمد بعضها على بعض.ويبين هذا التقرير أن أمن البشر، إذا ما فُهم على هذا النحو، قد وقع في كثير من الأحيان ضحية لإستراتيجيات الأمن الوطنية لدى أقوى حكومات العالم، ومن اكتسبوا الجرأة من اتباع نموذجها. ولن يتسنى الحفاظ على أمننا الجماعي كبشر من خلال أمثال تلك المناهج، التي تتركز في الدولة وتقدم تعريفاً ضيقاً للأمن، بل إنه يتطلب رؤية أشمل لما يعنيه الأمن، كما تتطلب إحساساً جماعياً بالمسؤولية المشتركة عن حمايته، داخل حدود الدول وخارجها.