اختتام الموسم الدراسي 2005-2006
على إيقاع الاحتجاجات الفئوية الواسعة
والدعوة إلى إصلاح حقيقي
للمنظومة التربوية
خالد جلال
بعد أيام قليلة سوف يسدل الستار على الموسم الدراسي الحالي الذي كان استثنائيا لأسباب عدة: أولها، العملية القيصرية الفاشلة التي عرفها قطاع التربية والتكوين والمتمثلة في المغادرة الطوعية وما خلفته من انعكاسات سلبية واختلالات على كافة المستويات. ثانيا، العدد الوفير للاحتجاجات والإضرابات الوطنية الفئوية التي شهدها القطاع من جراء تراكم العديد من المطالب والملفات العالقة التي تعاملت معها الوزارة الوصية كعادتها بالتجاهل والتماطل والتسويف أحيانا أو بعقد جلسات الحوار التفاوضية الصورية دون التوصل لنتائج ملموسة أحيانا أخرى. ثالثا، تزايد الأصوات الداعية إلى الإسراع بإحداث إصلاحات حقيقية في للمنظومة التربوية وإعادة النظر في تراجعات النظام الأساسي والتراجع الفوري عن الميثاق الوطني للتربية والتكوين باعتباره الإطار الموجه للإصلاح السابق الذي تأكد فشله في أغلب جوانبه
إن المتتبع للشأن التعليمي والتربوي وجميع المتدخلين والفرقاء الاجتماعيين ببلادنا ليجدون أنفسهم مضطرين عند نهاية كل موسم دراسي بأن يقفوا وقفة نقدية وتحليلية لمختلف المحطات الأساسية التي طبعت السنة الدراسية ويتطرقوا لجميع جوانب منظومتنا التربوية بإيجابياتها وسلبياتها يحدوهم الأمل إلى تكريس نقط القوة وتجاوز مكامن القصور والضعف
لقد كانت لعملية المغادرة الطوعية بقطاع التربية والتكوين الأثر السلبي الواضح على السير العادي للدراسة خلال الموسم الدراسي الفارط إذ تم تسجيل نقص ملحوظ في صفوف الأطر التربوية والإدارية بالعديد من المؤسسات التعليمية التي شهدت ارتباكا كبيرا نتج عنه أحيانا حرمان التلاميذ لشهور من بعض المواد الدراسية وشغور نسبة كبيرة من المناصب الإدارية والتي لم يتم تعويضها طوال الموسم الدراسي الحالي. وقد لجأت الوزارة الوصية، محاولة منها لتصحيح أخطاء المغادرة الطوعية، إلى تطبيق عملية إعادة الانتشار بل وتوسيع دائرتها داخل الجهة دون الأخذ بعين الاعتبار الجوانب الاجتماعية والنفسية والمادية لنساء ورجال التعليم. ولتوفير أكبر عدد ممكن من المدرسين، لجأت الوزارة الوصية أيضا من خلال المذكرة 43 إلى تقليص حصص بعض المواد الدراسية ضمن الهندسة البداغوجية الجديدة
بالإضافة إلى ذلك، فقد شهد الموسم الدراسي الذي نودعه العديد من الاحتجاجات الفئوية والإضرابات الوطنية للعديد من الفئات التعليمية وكذا تنظيم عدد كبير من الوقفات الاحتجاجية أمام النيابات والأكاديميات وأمام مديرية الموارد البشرية ومقر وزارة التربية الوطنية كرد فعل على عدم التعاطي الإيجابي لهذه الأخيرة مع ملفات ومطالب مختلف الفئات التعليمية التي أصبحت تتكاثر وتتزايد يوما بعد يوم نتيجة تماطل الوزارة الوصية وتلكئها في فتح حوار مسؤول حول هذه الملفات المطلبية الفئوية قصد الرقي بالمورد البشري ماديا واجتماعيا باعتباره القاطرة الأساسية لكل مشروع تربوي إصلاحي يروم الرفع من مستوى نظامنا التعليمي وإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية
كما لا يمكن أن نتجاهل المجهودات التي ما فتأت تبذلها الوزارة الوصية وخصوصا مديرية الموارد البشرية وتكوين الأطر في اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتصفية العديد الهائل من الملفات التي كانت عالقة والعمل على التسوية الإدارية والمالية لهذه الملفات خصوصا تلك المتعلقة بالترقية الاستثنائية لسنوات 2000-2001-2002 والترقية بالاختيار وبالامتحان لسنوات 2003- 2004 -2005 والتسوية المادية للمتخرجين الجدد وكذا تصفية أغلب ملفات الأساتذة الملحقين سابقا. كما سجلت الأسرة التعليمية بارتياح كبير إقدام مديرية الموارد البشرية على إعلان نتائج الحركة الإدارية في وقت قياسي ونتائج الحركة
الانتقالية قبل التوقيع على محضر نهاية الموسم الدراسي، مما يؤشر على وقوع تحول ملموس وإيجابي بالمصالح المركزية المذكورة مع العلم أن معظم المرتفقين يسجلون باستياء كبير العديد من الملاحظات السلبية والانتقادات من جراء استمرار بعض الاختلالات والممارسات اللاأخلاقية بها
لكن، وبالرغم من الإعلان عن نتائج الحركة الانتقالية الوطنية يوم 9 يوليوز- يوم واحد قبل توقيع محضر الخروج- يبقى غير كاف بالنظر لتزامنه مع توقيع محضر الخروج ولارتباط نتائج الحركة الوطنية بالتحضير لإجراء حركة جهوية (بين 11 و20 يوليوز) وإصدار مذكرة منظمة لها مرفوقة بالمناصب الشاغرة التي يتم تحيينها وإشهارها للتباري في وجه المدرسين الذين لم يحالفهم الحظ في الحركة الانتقالية الوطنية. إلا أن التأخر في إعلان نتائج الحركة الانتقالية الوطنية نتج عنه عدم تمكن الأكاديميات الجهوية من إجراء الحركة الجهوية التي كان من المتوقع أن تجرى ابتداء من 11 يوليوز على أن تعطى النتائج يوم 20 من نفس الشهر حسب البرمجة الزمنية المرتبطة بهذه الحركة كما ورد في المذكرة الإطار رقم 97
أما بخصوص المعايير الجديدة للحركة الانتقالية، فقد شكلت حديث الساعة داخل أوساط الشغيلة التعليمية بحيث تحفظ عليها الأساتذة في العديد من المناطق بل ورفضتها بعض فروع الهيئات النقابية رغم مصادقة وموافقة نقاباتها المركزية عليها دون مناقشتها أو عرضها على قواعدهم لتدارسها وإبداء رأيهم فيها. وعموما، فقد تم استحضار عنصرين/هدفين اثنين باعتماد مبدأ الاستقرار بشكل رئيسي في إخراج الحركة الانتقالية في حلتها الجديدة وهما: أولا، حل مشكل الالتحاقات بالأزواج، وخصوصا بالتعليم الابتدائي حيث أعطيت نقطا تفضيلية للأطفال، لكن لم ترق نتائج الحركة الانتقالية إلى مستوى انتظارات وطموحات هذه الشريحة التعليمية التي تتوعد بخوض معارك نضالية غير مسبوقة خلال الموسم الدراسي المقبل. ثانيا، ميول الوزارة إلى التخفيض التدريجي من أعداد المشاركين في الحركة بعد استفادتهم خصوصا خارج جهتهم الأصلية بحيث يفقدون كل رصيدهم من النقط حتى ولو قضوا 20 سنة من العمل ولا تحق لهم المشاركة إلا بعد قضاء ثلاث سنوات بمنصبهم الجديد بعكس النظام القديم الذي كان يضمن للأستاذ المنتقل الحفاظ على رصيد مهم من النقط باحتساب الأقدمية العامة سواء انتقل داخل أوخارج الجهة. هذا، وتبقى نتائج الحركة الانتقالية هزيلة بالنظر للعدد الكبير للمشاركين إذ بلغت نسبة المستفيدين حوالي 7%، مع العلم أن بعض النيابات تتعمد أحيانا التستر على بعض المناصب الشاغرة بمؤسساتها التعليمية ولا تعلن عن شغورها في وجه الحركة الوطنية مما يزيد من تقلص حظوظ المشاركين في الحركة
وقد تشكل بعض الملفات العالقة التي تهم شرائح تعليمية واسعة والتي لم يتم التعاطي الإيجابي معها الدواعي الرئيسية التي ستشعل نار الحركات الاحتجاجية بقطاع التربية والتكوين. ويمكن إيجاز هذه الملفات فيما يلي
الإسراع بأجرأة اتفاق 14 دجنبر بالنسبة لأساتذة التعليم الثانوي الإعدادي
المطالبة بضرورة الرفع من النسبة المئوية للترقي بالنظر إلى هزالة الأعداد المستفيدة سنويا مما يؤدي إلى تراكم الأفواج
إعادة النظر في معايير الحركة الانتقالية الوطنية مع ضمان نزاهتها وشفافيتها
تنظيم حركة انتقالية استثائية لحل مشكل الالتخاقات بالأزواج
ضرورة فتح باب الترقي إلى الدرجة الممتازة (خارج السلم) في وجه أساتذة التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي إسوة بزملائهم بالثانوي التأهيلي مع تعديل النظام الأساسي لملائمته مع نظام الوظيفة العمومية حسب الرسوم الوزاري الأخير
الإسراع بتسوية ملفات العرضيين والأعوان وحاملي الدكتوراه الفرنسية والأساتذة المجازون بالتعليم الابتدائي والأساتذة الملحقون سابقا بدول الخليج والأساتذة العاملون بالوسط القروي وإخراج التعويض الخاص بهذه الفئة إلى حيز التطبيق و ملفات هيئة الإدارة التربوية وهيئة التفتيش وأطر التوجيه والتخطيط وهيئة الاقتصاد....وغير ذلك من الملفات الساخنة
بالإضافة إلى ذلك، تأكد بشكل لا يثير الشك بأن الإصلاح الجاري به العمل بقطاع التربية والتكوين في إطار الميثاق الوطني لم يحقق الأهداف المسطرة له ولم يف بانتظارات وطموحات الشعب المغربي بحيث أجمعت العديد من الأطراف المعنية بالشأن التعليميي بالبلاد بما فيها جميع المتدخلين التربويين والهيئات النقابية والتلاميذ وجمعيات الآباء وفعاليات المجتمع المدني ذات الاهتمام بالموضوع وحتى بعض الجهات الرسمية داخل وزارة التربية والتكوين على تأزم الوضع التربوي والتعليمي بظهور اختلالاات بنيوية مست أغلب جوانب المنظومة التربوية ومن ضمنها نظام امتحانات الباكلوريا. وتأسيسا لما سبق، فقد بات من الضروري الإسراع بالقيام بوقفة تقييمية لنظامنا التعليمي من خلال الوقوف على مكامن القوة والضعف قصد استثمارها في بلورة فلسفة تربوية وطنية بديلة عن الميثاق الوطني الذي أصبح يشكل عائقا حقيقيا أمام إصلاح حقيقي وجذري يهدف إلى تكريس تعليم عمومي شعبي مجاني وجيد لعموم المغاربة ويرمي إلى تكوين مواطن قادر على المساهمة الفعلية في مسلسل التنمية ببلادنا